Oumair Aejaz

لم تكن ولاية ميشيغان الأميركية تتخيل يومًا أن أحد أكثر الأطباء احترامًا في مستشفياتها سيكشف عن وجهه الآخر، الوجه الذي لا يشبه الطب ولا الإنسانية، بل يشبه وحشًا متقن التخفي. الطبيب الهندي الأصل عُمير إعجاز، الذي قدِم إلى الولايات المتحدة قبل أكثر من عقد باحثًا عن مستقبل مشرق، نجح لسنوات في تقديم نفسه كمهاجر نموذج، طبيب باطني متفانٍ في عمله، زوج، وأب. لكن ما كان يقدّمه فوق الطاولة كان يخفي تحته عالمًا مظلمًا استغرق سنوات في بنائه.

منذ 2011، عمل إعجاز في عدد من المستشفيات الكبرى، من Ascension Genesys في Grand Blanc إلى Henry Ford Macomb في Clinton Township، وكان يتنقّل بثقة داخل غرف المرضى، مبتسمًا وهادئًا، بينما كان يزرع في زوايا تلك الغرف كاميرات صغيرة بالكاد تُرى، تسجّل المرضى وهم فاقدو الوعي، أو ضعفاء، أو غير قادرين على حماية أنفسهم. لم يكتف بذلك، بل نقل أفعاله إلى أماكن عامة وخاصة، مثل حمامات المنازل، وغرف تبديل الملابس، وحتى مراكز السباحة للأطفال. وبلا رحمة، حوّل حياة آلاف الأشخاص إلى لقطات محفوظة في أرشيفه السري.

الكابوس الذي عاشته الولاية انفجر في أغسطس 2024، حين لاحظت زوجته وجود محتوى إباحي غريب على أحد أجهزته. دفعتها الشكوك إلى تفتيش هاتفه وحاسوبه، لتكتشف الحقيقة التي لم يكن أحد مستعدًا لها: مقاطع مصوّرة لها، ولأطفالها، ولأفراد من عائلتها، ولنساء ورجال لا تعرفهم. كان ذلك الشرارة التي أسقطت الستار عن أضخم قضية اعتداء جنسي لطبيب في تاريخ ميشيغان، فبادرت الزوجة إلى إبلاغ الشرطة، لتنطلق عملية تحقيق واسعة انتهت باكتشاف أكثر من 13 ألف فيديو وأكثر من 8200 ضحية.

تحوّل إعجاز من طبيب إلى مجرم في غضون ساعات، واعتُقل فورًا بينما كانت المستشفيات التي عمل فيها تتسابق لتبرئة نفسها من أي مسؤولية. ومع تقدّم التحقيقات، تكشّفت فظائع أكبر: اعتداءات جنسية على مريضات مخدرات أو نائمات، تصوير أطفال في غرف التبديل، واستغلال مرضى فاقدي الوعي. وسرعان ما أعلنت النيابة عن قائمة طويلة من الاتهامات التي شملت اعتداءات جنسية من الدرجة الأولى والثانية، تسجيل ونشر صور لأشخاص عراة، الاعتداء على أطفال، واستخدام أجهزة إلكترونية لارتكاب الجرائم.

في محاولة منه لتجنب مواجهة ضحاياه في المحكمة، اختار إعجاز الإقرار دون اعتراض، لكنه لم يحصل على أي وعد بالرحمة. وفي الثاني من ديسمبر 2025، أصدرت قاضية المحكمة العليا في أوكلاند، ويندي بوتس، حكمها الذي سُمع صداه في كل ميشيغان: 35 إلى 60 عامًا خلف القضبان. القاضية وصفته بأنه “مريض سادي دمّر حياة لا يمكن إصلاحها”، بينما توالت شهادات الضحايا، محمّلةً بألم يمتد لسنوات قادمة.

ولم تتوقف الصدمة عند الحكم الجنائي، إذ بدأت موجة من الدعاوى المدنية ضد المستشفيات التي عمل فيها، متهمة إياها بغضّ النظر عن مؤشرات مبكرة كان يمكن أن توقف جرائمه. المجتمع الطبي وجد نفسه في مواجهة أسئلة صعبة: كيف يمكن لطبيب أن يعتدي على آلاف الضحايا دون أن يكتشفه أحد طوال هذه المدة؟ وكيف مرت شكاوى محتملة دون متابعة؟ ولماذا لم تُتخذ إجراءات رقابية صارمة قبل وقوع الكارثة؟

على مواقع التواصل، تحولت القضية إلى ظاهرة، وتجاوزت المنشورات عنها المليون مشاهدة. غضب الناس لم يكن فقط بسبب حجم الجرائم، بل لأن الإعلام الأميركي — كما قال كثيرون — تحاشى الإشارة إلى أصوله الهندية أو ديانته، في حين سلطت الصحافة الدولية الضوء عليها، ما أثار نقاشًا حادًا حول ازدواجية المعايير.

اليوم، يقبع عُمير إعجاز خلف القضبان، فيما لا تزال قصته تهز الرأي العام. الطبيب الذي كان يُفترض أن ينقذ الأرواح أصبح رمزًا لانهيار الثقة في المنظومة الصحية، ولكارثة إنسانية تركت آلاف الضحايا يكافحون للتعافي. إنها قصة سقوط مدوٍ، تكشف كيف يمكن لقناع الطبيب أن يخفي وحشًا كامل التكوين، وكيف يمكن لمؤسسات بأكملها أن تفشل في حماية أبسط حقوق الإنسان: الأمان.

Join Whatsapp