نابلس فلسطين

في قلب الضفة الغربية، حيث يتعانق جبل عيبال شمالاً وجبل جرزيم جنوباً، تتربّع نابلس كجوهرة من حجارة التاريخ، ومتحفٍ مفتوح يختصر حكاية فلسطين عبر آلاف السنين.
مدينة لا تكتفي بالماضي، بل تصنع من حاضرها رواية عن البقاء، والعراقة، والهوية.

من “نيابوليس” إلى نابلس

تعود جذور المدينة إلى العام 72 ميلادية حين أسسها الإمبراطور الروماني فسباسيانوس بعد تدميره لمدينة شكيم القديمة القريبة. أطلق عليها اسم “فلافيا نيابوليس” أي المدينة الجديدة فلافيا، قبل أن يتحوّل اسمها مع الزمن إلى “نابلس”.
ومنذ ذلك التاريخ، ظلّت المدينة مركزاً عمرانياً وتجارياً مهماً، تتقاطع فيها طرق القوافل، وتلتقي عندها الثقافات.

مرآة للحضارات المتعاقبة

مرت نابلس بعصور متعددة تركت آثارها على ملامحها العمرانية والاجتماعية.
ففي العهد البيزنطي، تحوّلت إلى مركز ديني بارز، بينما ازدهرت في العصر الإسلامي بعد فتحها على يد القائد عمرو بن العاص عام 636م، لتصبح من أبرز مدن جند فلسطين.
في تلك الحقبة، عُرفت بزيتونها وصناعاتها الحرفية، ولا سيما الصابون النابلسي الذي ارتبط باسمها حتى اليوم.

خلال العصر الصليبي، تعرّضت المدينة للاحتلال عام 1099م، لكنها استعادت أنفاسها سريعاً مع صلاح الدين الأيوبي بعد معركة حطين سنة 1187م.
وفي العهد العثماني، بلغت نابلس أوج ازدهارها، فكانت تُلقّب بـ “عاصمة جبل نابلس”، ومركزاً للتجارة والزراعة والصناعة في بلاد الشام.

ملامح مدينة لا تنطفئ

تُعرف نابلس بجمالها الطبيعي وخصب أراضيها. عيون الماء تتدفق من سفوحها — عين القريون، عين العسل، وعين الطوري — وتروي بساتين الزيتون والتين واللوز التي تحيط بالمدينة كإطار أخضر يحنو على حجارتها العتيقة.

في البلدة القديمة، تتداخل الأصوات والروائح: نداء الباعة، رائحة الصابون التقليدي، وعبق الكنافة النابلسية التي صارت رمزاً للحلاوة الفلسطينية.
أما في المعالم، فتبرز الجامع الكبير، والمسجد الحنبلي، وكنيسة بئر يعقوب التي تجمع في مكان واحد ذاكرة الأديان الثلاثة. وعلى قمة جبل جرزيم يعيش السامريون، أقدم طائفة دينية ما زالت تحافظ على لغتها وشعائرها منذ آلاف السنين.

نابلس المعاصرة.. نبض المقاومة والثقافة

لم تتغيّر هوية نابلس رغم تعاقب الاحتلالات والاضطرابات السياسية.
فهي اليوم عاصمة اقتصادية للضفة الغربية، ومركز علمي وثقافي يحتضن مؤسسات كبرى مثل جامعة النجاح الوطنية.
وفي كل محطة من تاريخها الحديث، من الانتفاضة الأولى إلى الثانية، كانت نابلس حاضرة كمدينة ترفض الانكسار، وتحوّل الألم إلى فعل حياة.

مدينة تصنع ذاتها من الرماد

قد يظن الزائر أن الزمن توقف في أزقة البلدة القديمة، لكن الحقيقة أن نابلس لا تعرف السكون.
تتجدّد كما تتجدد الينابيع التي تسقيها، وتستمر في كتابة فصل جديد من قصتها الطويلة — قصة مدينة لم تفقد هويتها رغم تقلبات القرون.

بين الجبلين، تُطل نابلس على التاريخ بثقة من يعرف أن له جذوراً ضاربة في الأرض، وأجنحة قادرة على التحليق نحو المستقبل.

إعداد: فريق الثقافة – وكالة أسنا للأخبار ASNA
نابلس، فلسطين

Join Whatsapp