المراقبون للوضع اللبناني: نعيم قاسم يتوهّم النصر فوق أنقاض حزب الله… من بقي ليهدد إسرائيل؟
في خضم المواجهة المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله، يبدو أن الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، يعيش حالة خطابية منفصلة عن الواقع الميداني. فرغم الضربات الإسرائيلية المركزة التي استهدفت البنية القيادية والعسكرية للحزب، والتي وصلت بحسب تقارير متعددة إلى تصفية عدد من أبرز قادته، يُصر قاسم على التحدث بمنطق “الانتصار”، ملوّحاً بالتهديد لإسرائيل والغرب، ومواصلاً تصعيده الإعلامي والسياسي.
بين الواقع والدعاية
واقع المعركة، بحسب المراقبين، لا يشير إلى انتصار بأي معيار تقليدي. إسرائيل نجحت، في تفكيك البنية التحتية للصواريخ الدقيقة، وتصفية قيادات ميدانية من الصف الأول، بل وتدمير شبكات الاتصال والتحرك داخل الجنوب اللبناني. واستطاعت اسرائيل ايضاً ان تقوم بالقضاء على حسن نصرالله نفسه وخلفه هاشم صفي الدين.
ورغم ذلك، يخرج نعيم قاسم ليهدد تل أبيب، ويتحدث عن “صمود الجبهة” و”هزيمة المشروع الصهيوني”، وهو ما يطرح تساؤلات جدية: لماذا هذا الإصرار على رفع سقف الخطاب في وقت يعيش فيه الحزب ما يعتبره المراقبون نهايته العسكرية.
أهداف مزدوجة خلف الخطاب التصعيدي
من الناحية التحليلية، يمكن تفسير خطاب قاسم بعدة أبعاد:
- محاولة ترميم المعنويات: يدرك الحزب أن جمهوره – داخل لبنان وخارجه – بات يشعر بالخذلان والخوف والهزيمة، خصوصًا بعد الضربات الموجعة. لذلك، يلعب قاسم دور “المُعبّئ”، لتثبيت صورة الصمود في أذهان المؤيدين، حتى وإن كانت بعيدة عن الواقع.
- الاستثمار الإقليمي: حزب الله لا يتحرك في فراغ لبناني فقط، بل هو جزء من محور إقليمي تقوده إيران. وخطاب قاسم موجّه أيضاً لطهران، ليثبت أن الحزب لا يزال “فاعلاً” في اللعبة الإقليمية رغم الضربات، وهذا ضروري للحفاظ على الدعم الإيراني المالي والعسكري.
- منع الانهيار الداخلي: داخل الحزب، هناك أزمة قيادة واضحة بعد مقتل كبار القادة، وخلافات داخلية حول مستقبل الحزب. وخطاب قاسم هو محاولة لملء الفراغ والظهور كوجه بديل يُبقي التنظيم متماسكًا على الأقل شكليًا.
- الرسائل للداخل اللبناني: من خلال رفع النبرة، يبعث قاسم برسائل للقوى السياسية في الداخل اللبناني مفادها أن الحزب ما زال موجودًا ولا يمكن تجاوزه أو التفاوض على حسابه في أي مرحلة انتقالية مقبلة.
النهاية أم إعادة التموضع؟
في النهاية، يبدو أن حزب الله يمر بمرحلة مفصلية، تتقاطع فيها التهديدات العسكرية الوجودية مع الأزمات البنيوية والسياسية. خطاب نعيم قاسم، إذًا، ليس تعبيرًا عن ثقة بالنصر، بل أقرب إلى صرخة سياسية ـ نفسية في وجه واقع مؤلم: حزب الله خسر ميدانيًا، ويبحث عن نصر معنوي أو حتى وهمي يبرر بقاءه.
لكن السؤال الأهم يبقى: إلى متى يمكن لحزب الله أن يواصل هذه اللعبة الخطابية التي تُدار من خارج الحدود اللبنانية دون أن ينهار واقعًا؟ وهل يكفي رفع الصوت الإعلامي في وجه آلة عسكرية تواصل تفكيكه دون هوادة؟
الإجابات رهن تطورات الأيام المقبلة، ولكن الثابت أن الخطاب وحده لا يصنع النصر، ولا يمنع الانكشاف.