تشهد السياسة الخارجية الأميركية في الأيام الأخيرة سلسلة تحركات متسارعة تعكس إعادة تموضع لإدارة الرئيس دونالد ترمب في مرحلة تتداخل فيها ملفات غزة، أوكرانيا، السودان، فنزويلا، وإيران، مع سباق عالمي محتدم في الذكاء الاصطناعي والمعادن الحيوية. المشهد العام يوحي بأن واشنطن تعيش لحظة إعادة تشكيل نفوذ، ومحاولة فرض هندسة جديدة للأمن العالمي.
أولاً: ملف غزة… سباق أميركي نحو “المرحلة الثانية” من عملية السلام
تشير تصريحات البيت الأبيض إلى عمل دبلوماسي مكثف خلف الكواليس للوصول إلى المرحلة الثانية من اتفاق السلام في غزة، وصولاً إلى إعلان مجلس سلام خاص وتثبيت حكومة تكنوقراط فلسطينية تعمل تحت إشراف دولي.
وتؤكد التسريبات أن واشنطن اقترحت اسم نيكولاي ملادينوف كممثل خاص في غزة، مع استمرار نقاشات حول قوة استقرار دولية لم يُحسم قرار تشكيلها بعد.
على الأرض، تكشف القيادة الوسطى الأمريكية عن تحديات ضخمة أبرزها:
- وجود 60 مليون طن من الأنقاض،
- استمرار الذخائر غير المنفجرة،
- وتشكيل مركز تنسيق دولي يشمل ممثلين عن 60 دولة لإعادة الإعمار وإدخال الإمدادات الشتوية.
في المقابل، تعبّر مصادر أوروبية عن قلق من إعطاء فريق كوشنر أولوية لإنشاء ما يسمّى “المنطقة الخضراء” على حساب إعادة الإعمار، ما يعكس خلافات حول فلسفة إدارة مرحلة ما بعد الحرب.
ثانياً: أوكرانيا… بين محادثات سلام محتملة ووجود عسكري غير قتالي
يؤكد البيت الأبيض وجود “فرصة” لحل سياسي في أوكرانيا، مع الترقّب لما ستسفر عنه اجتماعات نهاية الأسبوع.
كما كشفت بوليتيكو عن خطة أوروبية – حليفة لواشنطن – لنقل قوات ومعدات مراقبة إلى الداخل الأوكراني، حيث ستشغّل قوات التحالف طائرات مسيّرة للمراقبة وستوجد على الأرض “دون الاقتراب من الخطوط الأمامية”.
من جهة أخرى، يسعى زيلنسكي وقادة أوروبيون لترتيب مكالمة مشتركة مع ترمب، تعكس رغبة كييف في إعادة تثبيت الدعم الأميركي في ظل متغيرات البيئة السياسية.
ثالثاً: فنزويلا… تصعيد عقوبات وحرب ناقلات
صعّدت واشنطن إجراءاتها ضد نظام مادورو عبر:
- فرض عقوبات جديدة على أفراد وشركات شحن،
- مصادرة ناقلة نفط تُتهم بنقل النفط في السوق السوداء إلى إيران،
- إدراج ست سفن كممتلكات مجمدة.
البيت الأبيض وصف عمليات المصادرة بأنها جزء من معركة ضد “إرهاب المخدرات”، بينما ردت كاراكاس وطهران بوصفها “قرصنة بحرية”، ما يقلص أي فرصة للتقارب بعد أشهر من محاولات التهدئة.
رابعاً: السودان… أسوأ أزمة إنسانية في العالم
تصف الخارجية الأميركية الوضع في السودان بأنه أسوأ كارثة إنسانية عالمية، محذّرة من تهديد عدم الاستقرار لعموم منطقة البحر الأحمر.
وتحث واشنطن الأطراف السودانية على قبول هدنة إنسانية دون شروط، ما يعكس قلقًا أميركياً من تمدد النزاع إلى محيطه الإقليمي.
خامساً: إيران… تطورات ميدانية في غزة وتصعيد بحري
إلى جانب الاتهامات المتعلقة بناقلة النفط الفنزويلية، تشير تصريحات ترمب إلى أن إيران “ترغب في التوصل إلى اتفاق”، في تلميح إلى استعداد واشنطن لاستئناف تفاوض ما، لكن ضمن ميزان قوة تغيّر بعد الحرب في غزة.
سادساً: سباق الذكاء الاصطناعي والمعادن الحيوية… جبهة جديدة بين واشنطن وبكين
يواصل ترمب الترويج لرؤية ترى في الذكاء الاصطناعي “سباقاً لن يفوز فيه سوى طرف واحد”، مؤكداً تقدم الولايات المتحدة على الصين.
بالتوازي، تستعد واشنطن لإطلاق تحالف دولي للمعادن الحيوية يضم سنغافورة، أستراليا، اليابان، كوريا الجنوبية وإسرائيل، لمواجهة النفوذ الصيني في هذا القطاع الاستراتيجي.
سابعاً: الموقف الأممي… غزة والضفة الغربية في وضع “كارثي”
في تقرير شديد اللهجة، أدان الأمين العام للأمم المتحدة:
- توسع الاستيطان بشكل هو الأكبر منذ بدء الرصد،
- عنف المستوطنين المتصاعد،
- استمرار الغارات على غزة،
- انهيار الأمن الغذائي،
- وتدمير أكثر من 80% من المباني السكنية والعامة.
غوتيريش شدد على ضرورة المساءلة، محذراً من هشاشة وقف إطلاق النار واحتمال تجدد المواجهات.
تُظهر هذه التطورات أن واشنطن تعمل على إعادة تشغيل آلة النفوذ الأميركية على عدة جبهات متزامنة:
- غزة: صياغة مرحلة جديدة تشبه “إعادة هندسة سياسية” للمنطقة.
- أوكرانيا: دفع نحو حل سياسي مراقب دولياً.
- فنزويلا وإيران: تشديد الخناق الاقتصادي والبحري.
- السودان: محاولة منع الانهيار الإقليمي.
- الصين: خلق تحالفات مضادة في الذكاء الاصطناعي والمعادن الحيوية.
وبينما يحاول ترمب إظهار قدرته على صنع “سلام واسع” يمتد من غزة إلى كييف، تكشف ردود الفعل الدولية حجم التباينات حول شكل التدخل الأميركي وحدوده في المرحلة المقبلة.



