أقامت الحركة الثقافية – أنطلياس ندوة بعنوان “لبنان ولعبة المحاور”، في إطار المؤتمر الذي تنظمه بعنوان “التنمية في لبنان: خطوات إصلاحية للنهوض بالوطن”، في مقرها في دير مار الياس – أنطلياس، شارك فيها الدكتور كريم البيطار والدكتورة جنى جبور، وأدارها الدكتور عصام خليفة.
 
استهل خليفة الندوة بالتشديد على أن “الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والمالي الذي يعاني منه وطننا لبنان، وان وصول الدولة اللبنانية الى عتبة الدولة الفاشلة تحملنا على تذكر بعض المخططات التي وضعت لمستقبل المنطقة، ومن ضمنها لبنان”، مشيرا الى “المقال الذي نشره برناردو لويس في مجلة فورين أفيرز خريف 1992، بعنوان إعادة النظر في الشرق الأوسط، وفي مشروعه تقسم المنطقة طبقا لخطوط عرقية طائفية لغوية. وفي خريطة لويس، كما في خطة بينون قبله، ثمة محو للدولة اللبنانية من الوجود وتقسيم للعراق (دويلة شيعية، دويلة سنية، دويلة كردية) وهي تشتمل على اشعال 9 حروب في المنطقة. وفي رأيه ينبغي الحفاظ على استقرار وقوة واستقلال دولتين إسرائيل وتركيا”.
 
وأشار الى “طرح استراتيجيين أميركيين وإسرائيليين تعديلات لحدود دول الشرق الأوسط الأكبر. ومنها ما طرحه جاي نجور (تفكيك العراق، وإلحاق الضفة الغربية بالأردن، وربط قطاع غزة بمصر، واعاقة إيران بواسطة نظام عقوبات شامل، ووضع لبنان تحت نظام دولي وخاصة في الجنوب والبقاع. والدول العربية المعرضة للتقسيم عاجلا أم آجلا: العراق – سوريا – اليمن – ليبيا – لبنان”.
 
وقال: “على الصعيد الإقليمي وجود مخطط توسعي إيراني ينفذ على مراحل. وما يوضح هذا المخطط قول عضو المجلس الأعلى للثورة الثقافية الإيرانية رحيم بور ازغيري ان هناك خمس دول تخضع للنفوذ الإيراني هي سوريا ولبنان والعراق وفلسطين وأفغانستان. في هذا السياق يمكن ان نفهم ما ورد في البيان التأسيسي لحزب الله: “نحن أبناء أمة حزب الله التي نصر الله طليعتها في إيران وأسست نواة دولة الإسلام المركزية في العالم، نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة وعادلة تتمثل بالولي الفقيه. ويتولى كل واحد منا مهمته الجهادية وفقا لتكليفه الشرعي في إطار العمل بولاية الفقيه القائد”.
 
أضاف: “على الصعيد التركي الى طرح اردوغان سياسة طموحة وصفت “بالعثمانية الجديدة”. وما يلفت في هذه السياسة الانطلاق من التسليم بسقوط معاهدة لوزان (1923)، وتاليا سقوط حدود الدولة التركية. من هنا اقتراب اردوغان وابتعاده عن إسرائيل وروسيا وإيران وأوروبا وأميركا. ومن هنا تدخلاته العسكرية في سوريا والعراق والموقف من الاكراد، وسعي تركيا لأن تفرض نفسها قوة إقليمية، وبخاصة في لبنان”.
 
وسأل: “ما هي نتائج محادثات فيينا على لبنان وعلى المنطقة؟ وما هي أهمية الغاز والنفط وترسيم الحدود؟ وما تأثير الحرب في أوكرانيا على غاز شرق المتوسط؟ ما هي طموحات السياسات الدولية والإقليمية وتأثيرها على لبنان؟ وهل ان اغراقه بالديمغرافيا الخارجية، وانهياره الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأمني هو مدخل لقيامة جديدة أم ان ذلك مؤشر لإمحاء الدولة اللبنانية كما صرح لودريان وزير خارجية فرنسا وغالاغر وزير خارجية الفاتيكان؟ وما أهمية طرح مبدأ الحياد في قيامة لبنان وهل يكفي هذا الشعار وحده للحفاظ على سيادة واستقلال لبنان؟”
 
وختم: “هذه الأسئلة تشكل أبرز المحاور التي تركز عليها الندوة مع الدكتور البيطار والدكتورة جبور”.
 
البيطار
وتطرق البيطار الى “تحييد لبنان عن المحاور”، وقال: “لطالما حل لبنان في الاعتبارات الجيوبولتيكية الدولية مكانة الدولة الفاصلة. منذ وسط القرن التاسع عشر، انعكست المنافسة الفرنسية – الإنكليزية على لبنان، من خلال ما سماه علماء السياسة “المحسوبيات الطائفية”، مع لويس نابليون بونابرت الذي قدم دعمه لمسيحيي الشرق، خاصة الموارنة، وبريطانيا العظمى التي قدمت دعمها للطائفة الدرزية”.
 
أضاف: “من المهم أن نرى، بعد أكثر من 180 عاما، أن نظام الريعي والمحسوبيات للطوائف تعززت مع دخول دور الرعاية الطائفية للسعودية في لبنان حيث أنها لعبت دور الحامي للطائفة السنية اللبنانية، وإيران التي سارعت الى دعم الطائفة الشيعية عسكريا وماليا. والسؤال الأكثر إلحاحا في هذا الحين يدور حول كيفية فك الارتباطات اللبنانية بسياسات المحاور”.
 
وأردف: “من المهم توضيح المفاهيم، وما يعنيه الحياد وعدم الانحياز، لتجنب الصيغ الفضفاضة وغير الدقيقة، ووجوب التساؤل حول العوامل التي أدت, في بعض الحقبات من تاريخ لبنان، لعزوف لبنان عن اسس السياسة الخارجية التي ترفض الإنصياع الى سياسات المحاور بعد 1958 –  تاريخ الأزمة التي سببتها بعض النواقص والخروج عن الميثاق الوطنيّ, و اللإنحياز الى بعض المحاور, خصوصا” نتيجة عقيدة ايزنهاور”.

وختم: “نجح الرئيس فؤاد شهاب في إعادة لبنان الى الوضع الطبيعي الذي ينبغي له أن يكون، أي الإنفتاح على الغرب وعلى الشرق، دون أن يتخلى عن السيادة الوطنية اللبنانية، وبإرساء أسس سياسة اقتصادية واجتماعية تهدف إلى تزويد لبنان بدولة قوية ذات سيادة، مقاربا العلاقات الدبلوماسية مع السفراء بالمثل, وليس كمفوضين ساميين”  متطرقا الى كيفية إمكان استمرار النضال، اليوم في العام 2022، في سبيل السيادة والإصلاح السياسي “.
 
جبور
بدورها، أشارت جبور في معرض ردها على سؤال هل تركيا قوة تغييرية في لبنان؟ الى “لعب تركيا خلال العقدين الماضيين، دورا محوريا على الصعيد الإقليمي في ظل حكم حزب العدالة والتنمية، وبلورتها سياسة خارجية فاعلة تجاه المنطقة العربية ارتكزت على عقيدة “العمق الإستراتيجي” التي وضعها وزير الخارجية السابق أحمد داوود اوغلو والتي سعت لإقامة علاقات وطيدة – أو ما عرف ب”صفر مشاكل” – مع الجيران العرب”.
 
وقالت: “تزامنا مع بروزها كقوة إقليمية، انخرطت تركيا بشكل فاعل وديناميكي في الساحة اللبنانية على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي/الثقافي. وفي حين رحب البعض بتنامي الدور التركي في لبنان مقاربا إياه من منظار دعم قوة إقليمية لدولة صغيرة، حذر البعض الآخر من “أجندة خفية” لتركيا إذ رأى في اهتمام أنقرة بلبنان تعبيرا عن طموحات توسعية في إطار ما سمي ب “العثمانية الجديدة”. وفي ظل التطورات الأخيرة على الساحة اللبنانية، خصوصا فيما يخص توسع النفوذ الإيراني وسيطرة حزب الله، توجهت الأنظار نحو تركيا بصفتها قوة إقليمية سنية يمكن أن تلعب دورا تغييريا في لبنان من خلال مواجهة إيران واحتواء نفوذها وموازنة قوته”.
 
وتابعت: “تسعى هذه الورقة الى تحليل ماهية المشروع التركي في لبنان من خلال النظر الى دوافع ومحددات سياسة تركيا تجاه لبنان انطلاقا من العقيدتين اللتين تشكلان عماد السياسة الخارجية التركية: نظرية “العمق الاستراتيجي” ونظرية “الوطن الأزرق”. تميز الورقة بين ما هو واقع وما هو متخيل في ما يخص الدور التركي وأهمية النفوذ التركي في لبنان، وتقدم طرحا مغايرا للأفكار الشائعة مفاده أن تركيا ليس لها لا الإرادة ولا الإمكانيات لتغيير الأمر الواقع وقلب موازين القوى وكبح النفوذ الإيراني. فإن إيران وتركيا، في لبنان كما في سائر بلدان المنطقة، في وضعية “تنافس تعاوني”؛ في هذا الإطار، ليس من مصلحة تركيا الجيوسياسية المجازفة بمكتسباتها وكسر التسوية المؤقتة ووضع التعايش مع طهران على الساحة الإقليمية من أجل اتباع سياسة معادية لإيران في لبنان في سبيل إنقاذ البلاد”.
 
ورأت في الختام أنه “على الرغم من أن لتركيا مصالح في لبنان، إلا أنها فشلت حتى الآن في وضع استراتيجية واضحة واستباقية بعيدة الأمد تجاه البلاد: فبدلا من أن تساهم تركيا بشكل نشط واستباقي في تشكيل وتحديد الديناميكيات في لبنان، لم تستطع أنقرة سوى اتباع التحولات السريعة في لبنان والاستجابة لها. بهذا المعنى، فإن نفوذ تركيا في لبنان يبقى شاحبا مقارنة بقدرة إيران على تشكيل الديناميات، وتحديد قواعد اللعبة، والتأثير على عملية صنع القرار”.

Join Whatsapp