لم تكن زيارة الرئيس، بشار الأسد، إلى الإمارات مفاجئة، كونها جاءت في أعقاب تطبيع تدريجي للعلاقات بين البلدين بدأ مع إعادة افتتاح أبو ظبي لسفارتها في دمشق، وقيامها بإرسال قوافل مساعدات إنسانية وطبية إلى هذا البلد، خصوصاً في ظلّ الأزمة الوبائية، وإيفاد وزير خارجيتها، عبدالله بن زايد، إلى سوريا، فضلاً عن تفعيل “مجلس رجال الأعمال السوري – الإماراتي”. هذه الخطوات، مهّدت الأرضية لزيارة الرئيس إلى الإمارات (الأولى من نوعها إلى بلدٍ عربي)، خصوصاً في ظلّ المؤشرات الواضحة إلى أن أبو ظبي لم تقطع تواصلها يوماً مع دمشق، ومع الأسد شخصياً، نظراً إلى العلاقة الشخصية التي تجمعه بحكّام هذا البلد.
وتؤكد مصادر سورية مطلعة لـ”الأخبار اللبنانية” على تفاصيل الزيارة، أن “زيارة الأسد إلى الإمارات، أظهرت العلاقات العميقة التي تربط الجانبين، والمكانة الخاصة للرئيس لدى حكّام الإمارات”، وهي بمثابة “إعلان عن مرحلة جديدة، باتت فيها عودة سوريا إلى العمق العربي، ضرورة ملحّة”. وتشير المصادر إلى أن “الزيارة تجاوزت البروتوكول الرسمي، وهو ما تجلّى باستقبال حكّام الإمارات للأسد في أماكن خاصة، غير المراكز الرسمية… وحرصهم على إظهار حفاوة خاصة، لإبراز الإصرار على إعادة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها”. وعما تطرّقت إليه الزيارة من عناوين، تشير المصادر إلى أن “المداولات كانت ذات طابع عام، في أجواء ودية وإيجابية، حيث لم يخض الأسد ومضيفوه بتفاصيل كثيرة”. لكن هذا لا يعني، على أيّ حال، أنه لم يجرِ التداول بعناوين عريضة سياسية واقتصادية؛ إذ تؤكد المصادر أن الجانبين بحثا في بعض هذه العناوين، مرجّحة أن “تُستأنف اللقاءات بين مسؤولي البلدَين في وقت قريب، لمتابعة ما تمّ التطرّق إليه من عناوين، ووضع خطوط واضحة للتعاون“.
وبعيداً من البيان الرسمي للإمارات، أتى الموقف الأكثر وضوحاً وصراحة على لسان مستشار الشؤون الديبلوماسية في الإمارات، أنور قرقاش، الذي قال إن الزيارة “…تنطلق من توجّه الإمارات الرامي إلى تكريس الدور العربي في الملفّ السوري، كما تأتي من قناعة إماراتية بضرورة التواصل السياسي والانفتاح والحوار على مستوى الإقليم”.
من هنا، يبدو واضحاً إصرار الإمارات على قيادة الجهد العربي الرامي للعودة التدريجية للعلاقات العربية – السورية، بما يعيد التأثير العربي في الأزمة السورية، وهو ما يتطلّب الاستماع لوجهات النظر الحكومية، بخاصة بعد تخلّي الجميع عن فكرة إسقاط النظام. كما أن حالة “الجفاء” التي يعيشها الإماراتيون والسعوديون، مع الولايات المتحدة، بعد التهميش الذي تعرضوا له من جانب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، واستقباله أمير دولة قطر، تميم بن حمد، واعتباره الحليف الاستراتيجي لواشنطن من خارج حلف “الناتو”، كانت أيضاً من عوامل تسريع وتيرة التقارب مع دمشق، في ظلّ استراتيجية أوسع للتقارب مع موسكو. بالتالي، فإن الإمارات ربما تريد الذهاب أبعد في تقاربها مع روسيا، من خلال عدم الاكتفاء بالموقف الإيجابي نسبياً من الحرب في أوكرانيا، بل الاتجاه نحو الاتفاق معها على الموقف في سوريا، والتمرّد على الخطوط الحمر الأميركية.
كل ذلك، استدعى بياناً أميركياً شاجباً لزيارة الأسد إلى الإمارات، إذ صرح الناطق باسم الخارجية، نيد برايس، بأن الولايات المتحدة “تشعر بخيبة أمل وانزعاج عميقَين من زيارة الأسد”، واصفاً إيّاها بأنها “محاولة واضحة لإضفاء الشرعية على الزعيم السوري الذي يظلّ مسؤولاً وخاضعاً للمساءلة عن وفاة ومعاناة عدد لا يحصى من السوريين“.