الانتخابات النيابية اللبنانية الاغتراب اللبناني

وكالة أسنا للأخبار ASNA

لبنان الاغتراب

مع بدء العدّ العكسي للانتخابات النيابية اللبنانية المقبلة عام 2026، عاد النقاش السياسي والبرلماني ليتجدّد حول قانون الانتخاب، وتحديدًا في ما يخص مشاركة اللبنانيين المقيمين في الاغتراب. فبين من يتمسك ببند “الستة مقاعد” المخصصة لهم، ومن يطالب بإشراكهم الكامل في التصويت على جميع نواب البرلمان، تجد القوى السياسية نفسها أمام استحقاق دستوري حساس وتحدٍ لا يمكن تجاهله.

تصويت المغتربين: من النص إلى التطبيق

ينص قانون الانتخاب رقم 44 الصادر عام 2017 على تخصيص ستة مقاعد نيابية للمغتربين، تُضاف إلى عدد النواب الإجمالي (128)، توزع بالتساوي على القارات الست. إلا أنّ هذا البند لم يُطبّق في انتخابات 2022، حيث أُقرّ حينها تمكين اللبنانيين في الخارج من التصويت ضمن دوائرهم الأصلية داخل لبنان، في ظل صعوبات لوجستية وتشريعية لتنفيذ تمثيلهم الخاص.

ورغم أنّ أكثر من 225 ألف لبناني مغترب اقترعوا في انتخابات 2022، إلا أنّ العملية لم تخلُ من التحديات، خصوصًا لجهة بُعد مراكز الاقتراع، ضيق مهلة التسجيل، وعدم إشراك البعض بسبب إجراءات بيروقراطية معقّدة.

مقترح جديد أمام البرلمان: تصويت كامل وعدالة تمثيلية

في خطوة إصلاحية بارزة، تقدم تسعة نواب ينتمون إلى كتل مختلفة، من بينهم “القوات اللبنانية” و”اللقاء الديمقراطي” ونواب تغييريين ومستقلين، باقتراح قانون جديد ينص على إلغاء مقاعد المغتربين الستة نهائيًا، وإشراكهم بشكل كامل في التصويت للنواب الـ128 ضمن دوائرهم الأصلية، كما المواطن المقيم في الداخل.

ويشمل المقترح أيضًا:

  • تمديد مهلة تسجيل الناخبين في الخارج إلى 6 أشهر.
  • خفض الحد الأدنى المطلوب لإنشاء مركز اقتراع في الخارج من 200 إلى 100 ناخب.
  • تسهيل الإجراءات الإدارية لاقتراع المغتربين، وتحسين آليات الإشراف والرقابة.

وتأتي هذه الخطوة بدعم من جهات مدنية وحقوقية لبنانية في الخارج، أبرزها “كُلّنا إرادة”، التي تقود حملة واسعة لإشراك الاغتراب اللبناني في العملية السياسية بوصفه رافعة اقتصادية وشرعية للدولة اللبنانية.

انقسام نيابي حول التعديل

النقاش في البرلمان لم يخلُ من التباين. ففي حين عبّر أكثر من 50 نائبًا عن دعمهم للمقترح، أبدت كتل وازنة اعتراضها، وعلى رأسها “التيار الوطني الحر” الذي يتمسك بفكرة المقاعد الستة الخاصة بالمغتربين، معتبرًا أنّ إشراكهم الكامل سيؤثر على “توازن التمثيل الوطني والطائفي”.

من جهته، أعرب رئيس مجلس النواب نبيه بري عن رفضه إدخال تعديلات جذرية على القانون الانتخابي في هذا التوقيت، محذرًا من أن ذلك قد يؤدي إلى تأجيل الانتخابات أو خلق أزمات قانونية حول النتائج.

في المقابل، أبدت “القوات اللبنانية” تمسّكها بالإصلاح، محذّرة من الانسحاب من الجلسات التشريعية في حال تم إسقاط المقترح، معتبرة أنّ “المغترب شريك كامل في الوطن، ولا يجوز تحويله إلى مواطن من الدرجة الثانية”.

جبهات أخرى مفتوحة: بين الجغرافيا والسياسة

إلى جانب بند المغتربين، تلوح في الأفق مطالب بتعديل بنود أخرى في القانون الانتخابي، من بينها:

  • اعتماد البطاقة الممغنطة لتفادي التزوير.
  • إنشاء “الميغا سنتر” لتخفيف الضغط عن مراكز الاقتراع.
  • إعادة النظر في تقسيم الدوائر، وإلغاء القيد الطائفي في الاقتراع التفضيلي.

إلا أنّ معظم هذه الطروحات لا تزال تصطدم بحسابات القوى التقليدية، التي تُفضل تأجيل النقاش لما بعد الانتخابات المقبلة، أو ربطه بتسويات سياسية شاملة قد تشمل انتخاب رئيس الجمهورية وتعيين حكومة جديدة.

المدى الزمني والقلق من التأجيل

أمام كل هذه المعطيات، تبدو البلاد أمام اختبار حقيقي لنيّات السلطة في إجراء انتخابات شفافة وشاملة. إذ من غير الواضح ما إذا كانت القوى السياسية ستنجح في التوافق على تعديلات قانونية جوهرية في الوقت المناسب، خصوصًا في ظل الجمود الرئاسي والانقسام الحكومي.

وفي حال استمر الخلاف حول بند تصويت المغتربين، فإنّ الخشية من تطيير الانتخابات أو إرجائها بحجة لوجستية أو تشريعية تبقى قائمة، ما يهدد بتقويض ما تبقى من الثقة الشعبية بالمؤسسات الدستورية.

إنّ النقاش حول حقوق المغتربين في التصويت ليس تقنيًا فحسب، بل هو سياسي بامتياز. فبين من يعتبره بوابة لإعادة التوازن في التمثيل، ومن يخشى أن يقلب الطاولة على معادلات الداخل، يبقى السؤال: هل يُكتَب لهذا المقترح أن يرى النور، أم يُضاف إلى أرشيف الفرص الضائعة في مسيرة الإصلاح اللبناني.

Join Whatsapp