تمازجت أوتار الموسيقى ليولد لحن الامل، على انغام حلم الوطن في “عيد البشارة” بالامس، حيث غصت قاعة قصر الاونيسكو بما يقارب ال1500 وافد، تلبية لدعوة وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى لحضور المشهدية الموسيقية “فرنسيس والسلطان”، وكأن الحلم كان جالسا مع حضور من المناطق كافة، بالاضافة الى اهل الفن والفكر والسياسة. بحيث ادهش الحدث كل من رأى وسمع.
الحان آتية من مجد وطن يسلم باجتماع ثقافي وموسيقي. يرتقي بهكذا حدث الى الاعالي. لينتفض من صعابه ويسترجع شموخه وهذا التهافت. هو ليس فقط عطش الناس للحياة وللموسيقى وحسب بل ايضا ليساعدوا شروق الشمس على دفء قلب وطن يكاد الصقيع يجمده. الامل بالامس كان موجودا، الحب كان يرنم، السلام كان يستمع، كلهم كانوا هناك. لينشدوا مع الوطن اغنية خلوده وتلبية دعوة وزير الثقافه لهذا الحشد هو عنوان لتلك المشهدية الموسيقية بقيادة الاب خليل رحمة والتي حفرها عقل الوطن في قلب ابنائه.
بداية النشيد الوطني، ثم كلمة رئيس دير القديس فرنسيس في طرابلس – حراسة الاراضي المقدسة الاب كويريكو كاليلا الذي اعتبر ان “الموسيقى لغة مشتركة بين جميع الشعوب وجميع الديانات”.
وقال: “انطلق مشروع اوبرا “القديس فرنسيس والسلطان من طرابلس قبل الكورونا واستمر العمل به في ظل هذه الجائحة، والفكرة مستوحاة من لقاء القديس فرنسيس مع السلطان الملك الكامل في دمياط عام 1219، متمنيا ان تصل رسالة الاخوة والسلام (القديس والسلطان) الى اقاصي الارض: على مثال البابا فرنسيس وزيارته الى مصر، المغرب والعراق ولقائه مع آية الله علي السيستاني في آذار 2021 وتوقيعه لوثيقة الاخوة العالمية مع شيخ الازهر الدكتور احمد الطيب في ابو ظبي في شباط 2019”.
واضاف: “بما ان عيد البشارة يوحد كل اللبنانيين، حيث ان البشارة لا تذكر فقط في الانجيل المقدس (لوقا، متى) انما ايضا في القرآن الكريم (سورة مريم )
وان الحوار والتسامح والاخوة والتعايش بين الشعوب السبيل الوحيد للمضي قدما، كما انه يشكل الورقة الرابحة للبنان، للشرق الاوسط وللعالم كله”.
وعند صعود وزير الثقافة لالقاء كلمته، تقدم الاب كاليلا من الوزير شاكرا له اهتمامه لعرض هذه المشهدية الموسيقية، وقدم له ميدالية حراسة الاراضي المقدسة عربون تقدير واحترام.
واستشهد الوزير المرتضى في مستهل كلمته بما جاء في القرآن عن السيدة مريم العذراء: “وأذكر في الكتاب مريم”؛ وقال :”ونعلم جميعنا أن مريم أمها نذرتها الى الله وتضرعت: ” وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتًا حسنًا ” صدق الله العظيم؛نحن في حضرة مريم، في حضرة سيدة نساء العالمين، نجتمع في ذكرى رمز القداسة والطهر لنعلن عن تمسكنا بوحدتنا كلبنانيين”.
واضاف: “نجتمع في ذكراها فتسقط الألقاب، ويتلاشى المجد الزائل، ويزول الكبر، وتنطفىء الأنانيات، وتنحني الأعناق، وتخشع القلوب، لتسمو بعد ذلك النفس التواقة لأن يحل فيها شيئا من عبق تلك الروح التي بشرت مريم بأنها سوف تحمل في أحشائها المباركة سيدنا عيسى المسيح وتأتي به الى هذه الدنيا ليكون للناس، كل الناس، معجزة رحمة وحنو إلهي وبوابة أمل ونجاة وخلاص”.
ولفت وزير الثقافة الى “أننا نجتمع لنحيي عيد البشارة الذي منذ إقراره واعتماده رسميا، قيل الكثير عن معانيه الدينية الوطنية الجامعة. لذلك أكتفي بأن أذهب مذهبا قد يكون مختلفا شيئا ما، متمثلا بالآتي: في اللاهوت المسيحي، الخطيئة الأصلية التي حصلت بفعل من حواء أزالتها مريم العذراء. الأولى عصت وبمعصيتها تحول أكل التفاحة وهو فعل بسيط إلى إثم كبير؛ أما الثانية، أي مريم، التي انبتها ربها نباتا حسنا، صانت نفسها من الإثم الكبير، ولم تعص ربها، وسلمت بما بشرها به، وقبلت هبته، وحملت آيته ومعجزته سيدنا يسوع المسيح، فهطلت بنتيجة ذلك نعمة البشرى والخلاص على الأرض والإنسانية.”
وعن معنى هذا العيد رأى المرتضى: “يعطينا هذا اليوم الجامع معنى وطنيا وإيمانيا لا يجدر أن يختلف عليه إثنان، يتمثل في وجوب أن نطيع جميعنا في علاقاتنا الإجتماعية والسياسية والقانونية، دستور الإنصاف والمحبة والتعارف والكلمة التي هي أفضل، في كل جدال ينشأ بيننا، كي نستطيع أن نحمي وطننا ووجودنا فيه. فالإيمان أيا كان طريقه ينبغي أن يجمع ولا يفرق. وإذا كان مغزى حياتنا الأرضية بحسب معتقداتنا التي نؤمن بها، أن نعمر الكون بنا وننشر السلام بيننا لننال الجزاء الحسن في النشأة الآخرة، فعيد البشارة يشكل خلاصة هذا المغزى النبيل” .
وشدد وزير الثقافة على “اعتماد كلمة سواء بين الجمع: “لقد اختبرنا في لبنان السلام والخصام واكتشفنا أن الكلمة السواء التي يخاطب بها بعضنا بعضا هي الكفيلة بحفظ وطننا. أقول هذا متألما مما يرتفع منذ سنين على سطوح الشاشات من خطابات لا شأن لها سوى استثارة العصبيات التي تمزق نسيج وحدتنا وتحاول تنفيذا لمشاريع شيطانية هدم الأساس المتين لدولتنا المتمثل بالوحدة في إطار التنوع. هذا ازداد كثيرا في الآونة الأخيرة، ربما بسبب الاستحقاق النيابي المقبل. لكن الألم الأشد يسرب إلى النفس عند سماع البعض من الجيل اللبناني الشاب الذي لم يشهد الحرب الأهلية وويلاتها المدمرة كيف يتباهى ببطولاتها المزعومة التي تلقاها بالسماع، والتي لم تنتج إلا خرابا على الوطن وساكنيه، لولا صفحات مضيئة هنا وهناك أهمها على الإطلاق صفحة التحرير وصفحة صون السيادة”.
وقال: “وبالنتيجة تتفقون معي أيها الأحبة على أن البشارة هي كما علمتنا مريم تحرير النفس من الخوف والطاعة المطلقة للحق والإستعاذة الدائمة من الشيطان الرجيم. لذلك أدعو إلى التركيز في ثقافتنا السياسية على ما يجمع أبناء هذا الوطن حول الحق والقيم والمصلحة المشتركة في حفظ التنوع والوعي لما يحاك لنا ومن غير هذا الوعي لن ننجح في حفظ الكيان وصون سيادته”.
وختم المرتضى: “ليس هذا مقام خطب أو عظات. لكن الواجب دعاني، في هذه المناسبة التي ألفت قلوب اللبنانيين ووحدتها، إلى التذكير بما ذكرت. وبي رجاء أن يكون كل من أيام السنة عيدا للبشارة نحيا في ظلال معانيه السامية “فكل يوم لا يعصى الله فيه هو عيد” على ما يقول الإمام علي سلام الله عليه وإستعارة اقول:
كل يوم نحفظ فيه وحدتنا هو عيد، وكل يوم نفرح فيه بتنوعنا هو عيد، وكل يوم نحفظ فيه الآخر منا المختلف عنا هو عيد. وأخيرا كل يوم نحفظ فيه سيادة وطننا وننجيه من مشاريع الفتنة والشرذمة والحرب الأهلية هو عيد. السلام على صاحبة الذكرى يوم ولدت ويوم تبعث حية، السلام على الآية والرحمة ثمرة بطنها سيدنا يسوع المسيح يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا، والسلام عليكم جميعا وعلى وطننا الحبيب لبنان ورحمة الله وبركاته”.
يشار الى ان المشهدية الموسيقية من انتاج حراسة الارض المقدسة بالاشتراك مع السفارة الايطالية. النص للبروفيسور بارتولوميو بيروني، موسيقى الاب خليل رحمة. والعزف للاوركسترا الفلهارمونية اللبنانية ولجوقة جامعة سيدة اللويزة غناء كما شارك عازف الاورغن الايطالي المايسترو كوزيمو برونتيرا.