السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا في عهد ترامب: بين المصالح الاستراتيجية والتراجع الإنسا
وكالة أسنا للأخبار – ASNA
في أعقاب قرارات الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب بتقليص المساعدات الخارجية لإفريقيا، أثير جدل واسع حول توجهات السياسة الأمريكية تجاه القارة. وقد أكد مستشار ترامب للشؤون الإفريقية، مسعد بولس، أن إفريقيا تظل “مهمة للغاية” في أجندة الرئيس، على الرغم من الإجراءات التي كان لها تداعيات إنسانية واقتصادية كبيرة.
بدأت هذه السياسات مع إعلان ترامب تجميد المساعدات في اليوم الأول لتوليه منصبه، ضمن إطار سياسة “أمريكا أولاً”، والتي تهدف إلى تقليص الالتزامات الخارجية لصالح المصالح القومية الأمريكية. هذا التوجه أدى إلى تقليص حاد في برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، التي كانت تقدم دعماً حيوياً في مجالات الصحة والتعليم والاستجابة الإنسانية.
وقد شملت الآثار المباشرة لهذه التخفيضات توقف شحنات الأدوية المنقذة للحياة، بما في ذلك أدوية علاج فيروس نقص المناعة البشرية (HIV)، ما دفع منظمة الصحة العالمية إلى التحذير من احتمال نفاد هذه الأدوية في عدد من الدول الإفريقية، منها نيجيريا وكينيا وليسوتو. كما أشارت تقارير منظمات غير حكومية إلى حالات وفيات في جنوب السودان نتيجة إغلاق مراكز صحية بسبب نقص التمويل.
في المقابل، بررت الإدارة الأمريكية هذه الإجراءات بأنها تهدف إلى ضمان كفاءة الإنفاق ومراقبة استخدام المساعدات، حيث أشار بولس إلى أن “مراجعة البرامج ضرورية لتحقيق الشفافية وضمان وصول الدعم إلى الجهات المستحقة”.
على صعيد آخر، أبدت الإدارة اهتماماً متزايداً بالموارد الطبيعية في القارة، لا سيما في جمهورية الكونغو الديمقراطية، الغنية بالمعادن الحيوية كاليثيوم المستخدم في صناعة البطاريات. وقد أبدت شركات أمريكية رغبتها في الاستثمار في هذه الموارد، ما اعتُبر تحولاً في الاستراتيجية الأمريكية من المساعدات الإنسانية إلى تعزيز المصالح الاقتصادية.
وفيما يتعلق بالتجارة، أثارت الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب على بعض المنتجات الإفريقية مخاوف بشأن مستقبل اتفاقية “أغوا” (AGOA)، التي أقرت عام 2000 لتعزيز التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والدول الإفريقية. وتُعد ليسوتو، التي تعتمد على صادرات النسيج إلى السوق الأمريكية، من أكثر المتضررين من هذه الرسوم.
رغم تصريحات بولس بأن تلك الرسوم لن يكون لها “أثر صافٍ” كبير على الاقتصاد الإفريقي نظرًا لصغر حجم التبادل التجاري، فإنها تمثل إشارة إلى تراجع الالتزام الأمريكي بسياسات الانفتاح الاقتصادي تجاه القارة.
في المجمل، تعكس السياسة الأمريكية في عهد ترامب نهجاً يوازن بين تقليص الالتزامات الإنسانية الخارجية، وتعزيز المصالح الاستراتيجية، خاصة في مجالات الاستثمار والتجارة والموارد. ويثير هذا التوجه تساؤلات حول مدى إمكانية بناء شراكة عادلة ومستدامة مع الدول الإفريقية، في ظل غلبة البعد الاقتصادي على الاعتبارات الإنسانية والتنموية.