اللبنانيون في الظل: كيف يقود الاغتراب لوبيًا عالميًا لنصرة لبنان
رغم ظلال الأزمات المتلاحقة التي خيّمت على لبنان منذ سنوات، بقيت شُعلة الأمل مضاءة في قلوب أبنائه المنتشرين حول العالم، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية. فبعيدًا عن عدسات الإعلام، يتحرّك الاغتراب اللبناني كلوبي صامت وفاعل، يسعى بتكتم وبجهد دؤوب إلى دعم وطنه الأم في المحافل الدولية، وضمان مصالحه على طاولات القرار العالمي.
الاغتراب اللبناني… أكثر من حوالات مالية
لطالما اختُزل دور المغتربين اللبنانيين في التحويلات المالية التي تشكّل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني. لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير. فهؤلاء اللبنانيون الذين نجحوا في شق طريقهم في كبرى العواصم العالمية، لا سيما في واشنطن ونيويورك، باتوا اليوم لاعبين أساسيين في دوائر القرار الأميركية، من خلال شبكات نفوذهم، علاقاتهم السياسية، ومنابرهم الفكرية والإعلامية.
يعمل هؤلاء بصمت، في ممرات “المروءة السوداء” – كما يُحب البعض تسميتها – حيث لا تظهر الإنجازات في العلن، لكن تُرسم السياسات وتُوقّع التفاهمات خلف الأبواب المغلقة.
الحب العميق للبنان… الدافع الأول
هذا الحراك ليس ناتجًا عن مصلحة أو طموح سياسي، بل عن حب دفين للبنان، وحنين لا يبرد مهما طالت سنوات الاغتراب. هم أبناء بيوت بيروتية، وبلدات جنوبية، وسهول البقاع، يضعون صورة لبنان على مكاتبهم، ويرددون أغانيه في مناسباتهم الخاصة، ويُربّون أبناءهم على حب وطن ربما لم يروه إلا في الإجازات الصيفية.
اللوبي اللبناني في أميركا… بين النفوذ والهدف
يضم اللوبي اللبناني في أميركا شخصيات بارزة تعمل في السياسة، المال، والحقوق، وقد ساهموا بشكل ملموس في الدفاع عن لبنان أمام الإدارات الأميركية المتعاقبة. من أبرز هؤلاء:
- غابريال صوما: المستشار السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب لشؤون الشرق الأوسط، وهو من أصول لبنانية، لعب دورًا مهمًا في تسليط الضوء على مصالح لبنان في البيت الأبيض.
- فيليب حبيب (Philip Habib): الراحل الدبلوماسي الأميركي من أصول لبنانية، الذي لعب دورًا محوريًا في الوساطات السياسية في الشرق الأوسط، خصوصًا في فترة الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.
- راي لحود (Ray LaHood): الوزير السابق في إدارة أوباما (وزير النقل)، من أصول لبنانية، لطالما عبّر عن ارتباطه بلبنان وساهم في مبادرات تعليمية وتنموية.
- ديفيد حداد وجورج نادر (رغم الجدل حول نادر): من الشخصيات التي تحرّكت داخل أروقة اللوبيات لمناقشة ملف لبنان في الكونغرس.
- جمعية LIFE (Lebanese International Finance Executives): تضم لبنانيين ناجحين في القطاع المالي حول العالم، يشاركون في مبادرات دعم اقتصادي مباشر وغير مباشر للبنان.
دعم على أكثر من جبهة
هذا اللوبي لا يقتصر عمله على السياسة، بل يمتد إلى دعم:
- الاقتصاد: عبر دعم المبادرات الصغيرة، وتمويل المشاريع الناشئة، وتحريك استثمارات من المغتربين إلى الداخل.
- السياحة: من خلال الترويج للبنان في الدول الغربية، وتنظيم رحلات صيفية وثقافية إلى الوطن.
- السياسة: عبر الضغط على صانعي القرار الأميركيين والأوروبيين للحفاظ على استقرار لبنان، ومنع أي قرارات قد تضر بمصالحه.
- المجتمع المدني: بالمشاركة الفاعلة في المبادرات التي تعنى بالحوكمة، الشفافية، ومحاربة الفساد.
بين الحب والواجب… مشروع خلاص
اليوم، وفي ظل الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الذي يشهده لبنان، لا يُعوَّل فقط على الطبقة السياسية الفاسدة ولا على المعجزات الإقليمية، بل على طاقات الاغتراب اللبناني التي لم تخذل وطنها يوماً. هؤلاء لا يطلبون شيئًا من لبنان، بل يقدمون له كل شيء، من دون منّة.
لا بد من القول إن خلاص لبنان قد يبدأ من واشنطن، أو باريس، أو مونتريال، حيث قلوب لبنانية تنبض بالخلاص، وعقول تعمل بصمت، وضمائر لا تنام إلا على حلم اسمه لبنان.