إذا سقط النظام الإيراني... من يوقف الكارثة القادمة؟

هل إسقاط النظام الإيراني يخدم مصالح أميركا والعالم؟

تحليل سياسي | أسنا للأخبار

رغم التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران، ورغم الدعوات المتكررة من أطراف في اليمين الإسرائيلي والأميركي للقضاء التام على النظام الإيراني، إلا أن واقع الجغرافيا السياسية والنتائج المتوقعة تشير إلى أن انهيار النظام الإيراني بشكل كامل لا يصب في مصلحة الولايات المتحدة ولا في استقرار المنطقة، بل قد يفتح أبواب الجحيم في الشرق الأوسط.

فراغ السلطة… بوابة الجحيم

عندما سقط نظام صدام حسين، لم تُولد الديمقراطية، بل الفوضى، ومنها خرجت تنظيمات كـ”القاعدة” و”داعش”. فهل تريد واشنطن تكرار هذا السيناريو مع دولة كبرى بحجم إيران؟

تفكك إيران سيخلق فراغاً أمنياً في منطقة بالغة التعقيد. المحافظات الحدودية التي تضم أقليات عرقية ومذهبية (مثل الأحواز وبلوشستان وكردستان الإيرانية) قد تتحول إلى ساحات صراع أهلي وتدخلات أجنبية، وتنتعش فيها خلايا إرهابية لطالما انتظرت لحظة السقوط لتعيد تموضعها.

من سيملأ الفراغ؟ تحالفات مذهبية أم حرب طائفية؟

غياب إيران الشيعية كقوة إقليمية سيُطلق يد التحالفات السنية في الخليج وتركيا لبسط النفوذ في سوريا والعراق ولبنان، ما يُنذر بعودة الحرب المذهبية الشاملة في المنطقة، بل وقد تتحول تلك المساحات إلى مناطق نفوذ بين السعودية وتركيا، أو حتى روسيا والصين.

أي انهيار شامل للنظام الإيراني سيعني تفكك “الهلال الشيعي” الذي يمتد من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق، لكنه أيضًا قد يُدخل المنطقة في حقبة غير مسبوقة من الفوضى والتطرف غير المسيطر عليه.

إسرائيل… من النصر إلى المجهول؟

قد يبدو لإسرائيل – “الطفل الأميركي المدلل” كما يصفه البعض – أن سقوط النظام الإيراني هو نصر طال انتظاره. لكن الصورة أكثر تعقيدًا. غياب طهران لن يعني نهاية الخطر، بل انتقاله إلى شكل جديد. فالمواجهة قد تنتقل إلى داخل حدود إسرائيل عبر جبهات الجنوب (غزة) والشمال (لبنان وسوريا)، وسط غياب جهة إقليمية موحدة يُمكن التفاوض أو الردع من خلالها.

التقارير الاستخبارية تشير إلى أن إيران، رغم العقوبات، استطاعت بناء قدرة صاروخية وتكنولوجية متطورة. وإذا تفككت الدولة، قد تقع هذه التقنيات في أيدي ميليشيات غير منضبطة أو مجموعات إرهابية، وهو ما يشكل تهديدًا لا يمكن احتواؤه حتى عبر الردع النووي.

ترامب ورهانه على “السلام”

على الضفة الأخرى، يسعى الرئيس الأميركي السابق والمرشح المحتمل دونالد ترامب للعودة إلى البيت الأبيض وهو يحمل لقب “رجل السلام”، آملاً في توقيع اتفاق نووي جديد مع إيران يعزز من صورته الدولية ويمنحه ما لم ينله من قبل: جائزة نوبل للسلام.

ترامب لطالما عبّر عن رفضه للحروب الطويلة والمكلفة، وأعلن صراحة أن المصلحة الأميركية تكمن في اتفاق نووي يضع حداً لطموحات إيران العسكرية دون الدخول في صراعات مفتوحة. وهو يعلم أن انهيار النظام بالكامل سيعني لعنة جديدة على واشنطن، أشبه بما حصل في العراق وأفغانستان، وربما أسوأ.

الاستقرار لا يأتي من الخراب

المصلحة الأميركية الحقيقية – بل مصلحة المنطقة والعالم – تكمن في احتواء إيران لا إسقاطها، وترويض سلوكها عبر أدوات الدبلوماسية والضغط، وليس عبر تفجير الدولة من الداخل. النظام الإيراني بلا شك بحاجة إلى تغيير، لكن تغييره لا يجب أن يعني دماراً شاملاً.

بين الدعوات للحرب، والتطلع إلى نوبل، يبقى الخيار الأكثر عقلانية: السلام المدعوم بالقوة، لا الحرب المدفوعة بالعاطفة.

Join Whatsapp