وكالة أسنا للأخبار ASNA – التصعيد في الصراع الإيراني الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية: استعراض التطورات الأمنية قبيل الانتخابات الأميركية وفرص التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار
تشهد الساحة اللبنانية في الآونة الأخيرة تصعيدًا كبيرًا في الصراع الإيراني الإسرائيلي، الذي يمتد عبر مواجهات مباشرة وغير مباشرة بين حزب الله، المدعوم من إيران، والقوات الإسرائيلية. تتزامن هذه التطورات الأمنية الخطيرة مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، مما يضفي بعدًا دوليًا على الصراع ويزيد من تعقيد الوضع السياسي والأمني في المنطقة. في هذا السياق، تبرز أسئلة عدة حول مدى إمكانية التوصل إلى وقف إطلاق نار قبل أن يتدهور الوضع إلى حرب شاملة.
الصراع الإيراني الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية: سياق تاريخي واستراتيجية الطرفين
يعود الصراع بين إيران وإسرائيل إلى سنوات طويلة، ولكنه أصبح أكثر حدة في العقدين الأخيرين. إيران تسعى لتعزيز نفوذها في المنطقة، حيث تعتمد على وكلاء مثل حزب الله في لبنان وفصائل أخرى في سوريا والعراق. يمثل حزب الله في لبنان رأس حربة هذه الاستراتيجية الإيرانية، إذ يملك ترسانة صواريخ متطورة وشبكة معقدة من الأنفاق والتحصينات، مما يجعله قادرًا على تهديد الجبهة الشمالية لإسرائيل.
بالمقابل، تسعى إسرائيل إلى منع إيران من تعزيز نفوذها العسكري على حدودها الشمالية. ولهذا الغرض، تكثف إسرائيل من عملياتها العسكرية المباشرة ضد مواقع حزب الله، مع التركيز على ضرب البنية التحتية العسكرية للحزب واستهداف قادته. إسرائيل تأمل، من خلال هذه الاستراتيجية، في إضعاف قدرات الحزب وتقليل قدرته على تنفيذ هجمات واسعة في المستقبل.
التطورات الأمنية الأخيرة: تصعيد متبادل
خلال الأسابيع الأخيرة، تزايدت وتيرة الهجمات المتبادلة بين حزب الله وإسرائيل بشكل ملحوظ. حزب الله أطلق عدة صواريخ استهدفت مواقع عسكرية وصناعية إسرائيلية، مثل قاعدة زوفولون للصناعات العسكرية شمال حيفا، واستهدف مواقع أخرى شمال صفد، في محاولة لإظهار قدرته على تهديد أمن إسرائيل وفرض توازن ردع.
من جانبها، ردت إسرائيل بغارات مكثفة على مواقع تابعة لحزب الله في الجنوب اللبناني ومناطق في البقاع وحتى أطراف بيروت. هذه الهجمات لم تقتصر على استهداف البنية التحتية، بل شملت أيضًا عمليات تصفية بعض قادة الحزب الرئيسيين. ونتيجة لهذه الضربات، تزايدت عمليات النزوح في لبنان، حيث تجاوز عدد النازحين المليون شخص، ما زاد من حجم التحديات الاقتصادية والاجتماعية في بلد يعاني أصلاً من أزمة اقتصادية خانقة.
الانتخابات الأميركية وتأثيرها على الصراع
تأتي هذه التطورات الأمنية في وقت حساس بالنسبة للسياسة الأميركية، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية. الولايات المتحدة، باعتبارها أحد أبرز حلفاء إسرائيل، تلعب دورًا محوريًا في تحديد مسار هذا الصراع. الإدارة الأميركية الحالية تدعم إسرائيل بشكل غير مشروط، وقد تستفيد من تأييد بعض التيارات المؤيدة للتصعيد كوسيلة للضغط على إيران، خاصة مع محاولات إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات النووية.
ومع ذلك، قد يسعى بعض المرشحين إلى طرح ملف الصراع كمحور نقاش رئيسي في الحملة الانتخابية، بهدف كسب أصوات المؤيدين للسلام في الشرق الأوسط. قد يكون للانتخابات الأميركية دور في تهدئة التصعيد، خاصة إذا كانت الإدارة الأميركية ترى أن استقرار المنطقة قد يعزز فرص نجاحها السياسي. لكن في المقابل، لا يمكن تجاهل أن تصاعد الصراع قد يستخدم أيضًا كأداة لتعزيز النفوذ الأميركي من خلال توفير الدعم العسكري لإسرائيل، مما يضع احتمالين متناقضين حول تأثير الانتخابات على فرص التوصل لوقف إطلاق النار.
فرص التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار
رغم كثافة المواجهات العسكرية على الأرض، تبقى هناك بعض العوامل التي قد تعزز فرص التوصل إلى وقف إطلاق نار، ولو مؤقت. من بين هذه العوامل:
- الضغط الدولي: هناك دعوات متزايدة من المجتمع الدولي، وخاصة من الدول الأوروبية، للتهدئة بين حزب الله وإسرائيل. هذه الضغوط قد تسهم في دفع الطرفين نحو هدنة مؤقتة، على الأقل لتجنب التدهور الكبير في الوضع الإنساني بلبنان.
- الرغبة في تجنب حرب شاملة: يدرك الطرفان أن التصعيد إلى حرب شاملة سيؤدي إلى خسائر كبيرة على كافة الأصعدة. حزب الله يسعى لردع إسرائيل دون تجاوز خطوط حمراء، حيث يريد الحفاظ على قاعدته الشعبية وقدرته على حماية لبنان. في حين تسعى إسرائيل لتفادي معركة مفتوحة قد تجر جبهات أخرى، مثل غزة أو حتى الجبهة السورية.
- الدور الأميركي: الولايات المتحدة قد تمارس ضغوطًا على إسرائيل للقبول بوقف إطلاق النار إذا رأت أن التوتر قد يؤدي إلى تفاقم الوضع الإقليمي ويدفع إيران إلى ردود فعل تهدد الاستقرار، خاصة مع الملف النووي الإيراني المتوتر.
- مخاوف داخلية في لبنان: الصراع المكثف يضع ضغوطًا كبيرة على الداخل اللبناني، مما يدفع بعض الأصوات في لبنان إلى الدعوة لخفض التصعيد. الوضع الاقتصادي الصعب قد يدفع أيضًا بالسياسيين اللبنانيين إلى البحث عن هدنة، ولو مؤقتة، للتخفيف من الضغط الشعبي والتحديات الاقتصادية التي تتفاقم بفعل النزوح وتدمير البنية التحتية.
إن الصراع الإيراني الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية يعكس تعقيدًا سياسيًا وعسكريًا كبيرًا، يمتد إلى أبعاد إقليمية ودولية. مع اقتراب الانتخابات الأميركية، تصبح فرص التوصل إلى وقف إطلاق النار مرهونة بحسابات سياسية معقدة، تشمل مصالح أميركية، وإسرائيلية، وإيرانية، وكذلك واقعًا داخليًا لبنانيًا يزداد هشاشة.
ورغم وجود عوامل عدة قد تسهم في تهدئة التصعيد، يبقى تحقيق وقف شامل لإطلاق النار أمرًا صعبًا ما لم تتوفر ضمانات دولية وإقليمية تعزز من استقرار الوضع وتؤسس لمرحلة جديدة من الحوار لحل النزاعات العالقة.