جبران باسيل لبنان

جبران باسيل: ملفات فساد تحاصر “الوريث السياسي” لعهد ميشال عون

في بلدٍ مثقل بالأزمات والانهيارات، يبقى الفساد السياسي أحد أخطر التحديات التي تنهش مؤسسات الدولة اللبنانية. ومن بين أكثر الأسماء إثارة للجدل، يبرز اسم جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر، و”الوريث السياسي” للرئيس السابق ميشال عون. فالرجل الذي تولّى مناصب وزارية عدّة، من الاتصالات إلى الخارجية فوزارة الطاقة، وجد نفسه في قلب اتهامات داخلية وخارجية تتعلّق بسوء إدارة، فساد مالي، ومحاولات ممنهجة للسيطرة على مفاصل الدولة.

عقوبات أميركية: “الفساد الممنهج”

في السادس من تشرين الثاني 2020، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على باسيل بموجب قانون “ماغنيتسكي العالمي”، الذي يُستخدم لمعاقبة مسؤولين متورطين في الفساد وانتهاك حقوق الإنسان. وجاء في بيانها أنّ باسيل “متورط في ممارسات فساد ممنهجة”، من ضمنها منح عقود حكومية مقابل دعم سياسي، واستخدام السلطة لتسهيل مصالح خاصة.

باسيل رفض الاتهامات وادّعى أنّ العقوبات فُرضت عليه بسبب رفضه فك التحالف مع حزب الله. لكنه لم يُقدِم على الطعن بالقرار أو نشر وثائق تبرئه، ما عزّز من شكوك خصومه.

الكهرباء… المليارات الضائعة

تولّى باسيل وزارة الطاقة عام 2009، وطرح خطة طموحة لتأمين الكهرباء 24/24 بحلول 2015. لكن الواقع بعد أكثر من عقد يروي قصة فشل مدوٍّ، حيث لا تزال البلاد تغرق في العتمة، رغم إنفاق ما يزيد عن 40 مليار دولار على قطاع الكهرباء منذ التسعينيات، بحسب تقديرات البنك الدولي.

أحد أبرز أوجه هذه الفضيحة، هو ملف البواخر التركية التي استُخدمت لتوليد الطاقة. فقد أُبرمت العقود بأسعار مرتفعة ومن دون مناقصات شفافة، وسط اتهامات بالتغاضي عن حلول أكثر استدامة، مثل إنشاء معامل إنتاج حديثة. والأدهى، أن باسيل وفريقه السياسي عارضوا باستمرار إنشاء هيئة ناظمة للقطاع، ما حرم الكهرباء من أي رقابة فعلية.

النفط والغاز: فرصة ضائعة وشبهات صفقة

عندما أُعلن عن اكتشاف ثروات نفطية في المياه اللبنانية، تولّى باسيل إطلاق الإطار التشريعي للتنقيب، في محاولة لتسجيل “إنجاز سيادي”. لكن المشروع تأخر لسنوات، وأحاطت به شبهات متكررة عن محاولات “توجيه” العقود نحو شركات بعينها، وعدم التزام الشفافية في العطاءات.

حتى اليوم، لم يبدأ لبنان فعليًا باستخراج النفط أو الغاز، ما جعل الحقل البحري يتحوّل إلى ورقة سياسية أكثر من كونه مشروعًا اقتصاديًا.

التعيينات والهيمنة على الدولة

خلال سنوات العهد العوني، اتُّهم باسيل باستخدام موقعه للسيطرة على مفاصل الدولة، من القضاء إلى الجيش والسلك الدبلوماسي. وقد وُجهت له تهم بـ”تفصيل التعيينات على قياس الولاءات”، وليس على أساس الكفاءة.

من تعيين أقارب في السفارات، إلى سعيه لإقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة واستبداله بشخصية مقرّبة، تكرّرت الإشارات إلى رغبة باسيل ببناء “دولة ضمن الدولة”.

ثروة مشبوهة؟

رغم عدم وجود إثباتات رسمية، فقد انتشرت تقارير إعلامية تتحدث عن ممتلكات لباسيل في لبنان والخارج، بينها شقق فاخرة في فرنسا ومناطق لبنانية راقية. هذا التفاوت بين الدخل المعلن والثروة المتداولة أثار الكثير من التساؤلات، خصوصًا في ظل غياب أي آلية فعلية لكشف الذمّة المالية لدى المسؤولين اللبنانيين.

الحراك الشعبي: باسيل في مرمى الغضب

في تشرين الأول 2019، ومع اندلاع انتفاضة 17 تشرين، شكّل جبران باسيل العنوان الأبرز لغضب الشارع. فكان شعار “كلن يعني كلن، وباسيل واحد منن” يتردّد في كل ساحة، ومعه مشاهد السخرية من خطاباته ونمط عيشه.

رأى اللبنانيون فيه تجسيدًا للنخبة السياسية التي دمّرت البلاد، وشكلت “تحالفات مصالح” على حساب مستقبل الأجيال.

هل من محاسبة؟

حتى الآن، لا توجد أي ملاحقة قضائية جدّية بحق باسيل في لبنان، في ظل نظام سياسي طائفي يحمي رموزه ويُفلتهم من العقاب. لكن العقوبات الأميركية، والرفض الشعبي المتصاعد، شكّلا ضربة قوية لصورة الرجل الذي حلم يومًا برئاسة الجمهورية.

جبران باسيل، بين طموحاته السياسية وعلاقاته المتشعبة، وبين ملفات فساد تتراكم دون مساءلة، يجسّد نموذجًا صارخًا عن كيف يمكن لبلد غني بالطاقات والفرص أن يُدمّر من الداخل. وما لم يُفتح باب المحاسبة الجدية، ستبقى الوجوه تتبدّل… لكن الفساد باقٍ في قلب الدولة.

Join Whatsapp