خامنئي في مواجهة أصعب اختبار في مسيرته
لأول مرة منذ الثورة الإسلامية عام 1979، تواجه إيران تحديًا وجوديًا مباشرًا بفعل ضربات عسكرية غير مسبوقة شنتها الولايات المتحدة وإسرائيل، ما يضع المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، البالغ من العمر 86 عامًا، في مواجهة أخطر أزمة في تاريخه الطويل على رأس النظام.
على مدى أربعة عقود، تمكن خامنئي من تجاوز الحروب والانقسامات والأزمات الاقتصادية، لكن الضربات الأخيرة أصابت صميم هيكل السلطة في إيران: من اغتيالات طالت كبار قادة الحرس الثوري، إلى تدمير منشآت نووية كانت تخصب اليورانيوم بدرجات قريبة من الاستخدام العسكري، وخسائر بشرية ومادية هائلة خلال 12 يومًا فقط.
ومع تهالك شبكات الدعم الإقليمية لإيران بسبب الضربات الإسرائيلية، وتزايد الضغط الداخلي بفعل العقوبات والتضخم، أصبح هامش المناورة أمام خامنئي ضيقًا، في وقت يتراجع فيه وضعه الصحي ويغيب أي خليفة معلن له.
اختفاء ومخاوف أمنية
تجنّب خامنئي الظهور العلني خلال فترة النزاع، وألقى خطاباته من مواقع غير معلنة، في مؤشر على القلق من استهدافه شخصيًا. لم يحضر مراسم تشييع الجنرالات والعلماء النوويين الذين قُتلوا، واحتاج أيامًا بعد وقف إطلاق النار ليظهر في رسالة متلفزة تعلن “الانتصار” وتهاجم الولايات المتحدة.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب رد بسخرية على هذا الادعاء، قائلاً: “لقد تم سحقكم”، موجّهًا رسالته مباشرة إلى خامنئي، الذي وصفه بأنه “رجل إيمان يحظى باحترام واسع في بلاده” لكنه “بحاجة إلى قول الحقيقة”.
التحدي: البقاء أو التغيير
المعادلة الآن واضحة: بقاء النظام على شكله القديم يواجه تهديدًا غير مسبوق. فبعد أن كانت قوة إيران ترتكز على برنامجها النووي وشبكة وكلائها في المنطقة، باتت هذه الأدوات إما مدمرة أو محاصرة.
يرى علي واعظ، مدير مشروع إيران في “مجموعة الأزمات الدولية”، أن النظام الإيراني “ما زال قائمًا، لكنه ضعيف، وعليه مواجهة انهيار في الردع، وانهيارات استخباراتية وعسكرية داخلية، ومجتمع يعاني من السخط، واقتصاد على شفير الانهيار”.
ومع اشتداد الضغوط، يبرز خيار أن يعيد خامنئي النظر في موقفه التقليدي ضد امتلاك السلاح النووي، خصوصًا مع تصويت البرلمان مؤخرًا لتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. خيار التحول نحو تسليح البرنامج النووي سيكون خطوة نوعية، لكن محفوفة بمخاطر أكبر.
توحيد الداخل أو مواجهة الانفجار؟
خامنئي أشار في خطابه الأخير إلى “وحدة الشعب الإيراني” في مواجهة الهجمات، في محاولة لاستثمار الغضب الشعبي ضد الخارج. لكن هل تسمح له هذه الوحدة بتقديم تنازلات إصلاحية؟ أم أنه سيتجه نحو مزيد من القمع كما فعل سابقًا في احتجاجات 2009 و2022؟
خيارات الإصلاح أو الانفتاح تواجه مقاومة داخل النظام، كما أن عداء خامنئي العميق للغرب – وخصوصًا للولايات المتحدة – تفاقم بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، ثم الضربات الأخيرة التي نُفّذت قبل أيام فقط من موعد محادثات مقررة مع الوفد الأميركي.
مأزق التفاوض
في محاولة لإعادة طهران إلى طاولة التفاوض، ناقشت إدارة ترامب، بحسب مصادر إعلامية، مقترحات لتخفيف العقوبات، وتوفير تمويل لبرنامج نووي سلمي. لكن رسائل ترامب العلنية التي تضمنت تهديدات باغتيال خامنئي قد تعقّد أي فرصة للتقارب.
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي علّق قائلاً: “إذا كان ترامب جادًا في رغبته بعقد اتفاق، فعليه التوقف عن استخدام لغة مهينة بحق قائد الثورة الذي يتمتع بتأييد الملايين”.
النظام في مهب الغموض
رغم محاولاته الظهور بمظهر الصمود، يبدو أن خامنئي يواجه الآن تآكلًا في كل أدوات سلطته: القوة النووية، شبكة الوكلاء، الردع الإقليمي، وحتى النفوذ الشعبي.
ومع غياب خلف واضح للقيادة، وتراجع مكانة إيران في محيطها الإقليمي، يبقى التحدي الأساسي أمام خامنئي هو الحفاظ على “الجمهورية الإسلامية” التي ورثها منذ عام 1989، وسط عالم تغير بشكل جذري – ولم يعد يهاب طهران كما في السابق.
قد تكون هذه اللحظة آخر اختبار حقيقي لنظام ولاية الفقيه في صورته الراهنة. خامنئي أمام مفترق طرق: إما القمع والتصلّب في الداخل، أو القبول بتغييرات هيكلية قد تهدد مستقبل النظام نفسه. وفي الحالتين، تبقى إيران – والمنطقة برمّتها – على صفيح ساخن.