مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا

في مشهد سياسي معقد يتأرجح بين الأمل والحذر، عادت المفاوضات الروسية الأوكرانية إلى الواجهة بعد ثلاث سنوات من الجمود، وسط جهود دولية مكثفة لتحريك عملية السلام التي طال انتظارها. ورغم المبادرات الإقليمية والدولية، لا تزال الشكوك تحيط بجدية الطرفين في التوصل إلى تسوية شاملة، خاصة في ظل تصلب المواقف الروسية وتصاعد الدعم الغربي لكييف.

بداية واعدة في إسطنبول تتبعها عراقيل سياسية

شهدت مدينة إسطنبول منتصف مايو الجاري اجتماعًا غير مسبوق بين ممثلي روسيا وأوكرانيا، نتج عنه اتفاق أولي على تبادل ألف أسير من كلا الجانبين، في خطوة وُصفت بأنها “إشارة حسن نية”. لكن سرعان ما اصطدمت هذه المبادرة بعقبات كبيرة، أبرزها مطالبة روسيا باعتراف أوكرانيا بضم أربع مقاطعات جديدة، مهددة بتوسيع المطالب لتشمل ست مقاطعات في حال عدم الاستجابة.

الوفد الأوكراني رفض هذه الشروط، واعتبرها استفزازية، وأكد أن أي حل لا يشمل الانسحاب الروسي الكامل من الأراضي المحتلة لن يُنظر إليه كحل دائم.

الولايات المتحدة: دعم سياسي دون ضغط حقيقي

على صعيد الدعم الأميركي، شهدت الساحة الدبلوماسية مكالمة هاتفية جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، أعلن على إثرها ترامب عن بدء فوري لمفاوضات وقف إطلاق النار. غير أن غياب جدول زمني واضح من الجانب الروسي أثار التساؤلات حول صدق النوايا، خاصة بعد تراجع واشنطن عن مطلب وقف إطلاق نار غير مشروط لمدة 30 يومًا.

وفي تصريح لاحق، أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن بلاده ستواصل فرض العقوبات على موسكو، مع احتمال اتخاذ إجراءات إضافية في حال تعثر المحادثات.

الفاتيكان يدخل على خط الوساطة

في مبادرة رمزية تحمل طابعًا أخلاقيًا، أعرب البابا ليو الرابع عشر، أول بابا أميركي في تاريخ الفاتيكان، عن استعداده لاستضافة جولة جديدة من المفاوضات على أراضيه، بدعم من واشنطن وروما. إلا أن الكرملين نفى تلقي أي دعوة رسمية، مشيرًا إلى أن مسألة اختيار مكان المفاوضات لا تزال مفتوحة.

التحالف الأوروبي: دعم فعّال واستعداد لمرحلة ما بعد الحرب

في قمة لندن الأخيرة، أعلنت بريطانيا وفرنسا عن تشكيل “تحالف الراغبين”، لتقديم ضمانات أمنية طويلة الأمد لأوكرانيا. ويشمل التحالف دعمًا عسكريًا واقتصاديًا، واستعدادًا لنشر قوات حفظ سلام في حال تم التوصل إلى اتفاق سلام.

من جانبها، شددت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على ضرورة إعادة تسليح أوروبا استعدادًا لمواجهة التهديدات المستقبلية، في مؤشر على أن الاتحاد الأوروبي يرى في الحرب الحالية تهديدًا وجوديًا يتجاوز حدود أوكرانيا.

قراءة تحليلية: موسكو تناور سياسيًا وتكسب عسكريًا

يرى العديد من المحللين أن موسكو توظف المفاوضات كوسيلة لكسب الوقت وتعزيز مكاسبها الميدانية، خاصة بعد الزيارة الرمزية التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مدينة كورسك، والتي استعادتها القوات الروسية مؤخرًا. ويُخشى أن تكون المفاوضات الحالية مجرد غطاء دبلوماسي لاستمرار العمليات العسكرية وفرض وقائع جديدة على الأرض.

رغم الزخم الدبلوماسي، لا تزال المفاوضات الروسية الأوكرانية محاطة بشكوك كبيرة، وسط تصلب روسي ودعم غربي مشروط لأوكرانيا. وبين المبادرات والتهديدات، يبدو أن السلام لا يزال بعيد المنال، وأن الحرب مستمرة في فرض واقعها القاسي على شعبي البلدين.

Join Whatsapp