في حين يرى الكثير من اللبنانيين بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالمنقذ بعد زيارته الأولى للبنان ومسح دموع اللبنانيين، اختلفت الآراء يوم الإثنين ٣١ آب خلال زيارته الثانية التي قد تكون أتت بنتيجة غير التي راهنوا عليها.

منذ ليل الأحد وبدأ الشارع اللبناني يتناول إسم مصطفى أديب سفير لبنان الى المانيا كمرشّح رؤساء الحكومات السابقين واختلفت الآراء وكانت المفاجأة قبول القوى السياسية الرئيسية به خصوصاً كتلة الوفاء للمقاومة التابعة لحزب الله والتيار الوطني الحرّ.

وفي حين تصرّ واشنطن على حكومة اختصاصيّين مستقلة بعيدة عن المحاصصات الحزبية مع شرط أن يكون حزب الله خارجها، تبلورت الصورة في سعي ماكرون إلى تكوين حكومة وحدة وطنية ممّا يظهر اختلافاً بين سياسة الولايات المتّحدة وفرنسا.

أوحى الرؤساء السابقون انّهم قد يطرحون اسم الدكتور خلدون الشريف مستشار رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي أو وزيرة الداخلية السابقة ريا الحسن، وقد قام الوزير علي حسن خليل بزيارة الحريري على مدى يومين في محاولة لمعرفة الاسامي المُتداوَل بها. وقد أعرب الرئيس عون عن استيائه للرئيس ماكرون لأن رؤساء الحكومات السابقين حافظوا على سريّة المرشّح لديهم دون مشاركته مع أحد لغاية اللحظة الأخيرة، فتدخّل ماكرون ضاغطاً على الحريري حسب المصادر الديبلوماسية.

أبلغ الحريري الرئيس ماكرون أن الرؤساء السابقين يتشاورون بمجموعة من الأسماء وهم مدير عام طيران الشرق الأوسط محمد الحوت والقاضي غسان عويدات والسفير اللبناني لدى المانيا الدكتور مصطفى أديب.

نقل ماكرون الأسماء إلى الرئيس عون الذي أكّد لماكرون أن حزب الله والتيار الوطني الحرّ لن يقبلوا بالحوت أو عويدات بسبب علاقتهم القريبة بالحريري وكونهم محسوبين على تيار المستقبل. راجع ماكرون الأسماء المتداولة ودرسهم وأتى إلى نتيجة دعم تسمية مصطفى أديب لعدة أسباب:

١- الدكتور مصطفى أديب يحمل الجنسية الفرنسية متأهّل من السيدة فلاڤيا داماتو الفرنسية.

٢- هو ابن طرابلس حاضنة السنَة والمدينة التي عبّرت عن آلامها وسُمع صراخها حول العالم خلال ثورة ١٧ تشرين.

٣- انتماء الدكتور أديب لعائلة عبد الواحد الطرابلسية المتحدّرة من أصول تركية، وهذه ميزة مهمّة بالنسبة لماكرون نناقشها في سياق المقال.

٤- علاقة أهل عقيلة أديب الجيّدة مع ماكرون و والدها كان رئيساً في البعثة الطبيّة الفرنسية قبل وفاته.

٥- علاقات الدكتور مصطفى أديب مع الإتحاد الأوروبي.

٦- علاقة أديب الوطيدة مع الرئيس ميقاتي وكونه عمل معه وكان مستشاره السابق.

٧- مفاوضات ماكرون مع السعودية حيث رفض الأمير محمد بن سلمان الحريري رئيساً لأي حكومة جديدة.

٨- دخول الملياردير طه ميقاتي شقيق الرئيس ميقاتي خط المفاوضات مع الفرنسيين لطرح اسم مصطفى أديب.

بالعودة إلى تركيا حيث تزيد حدّة التوتّر بينها وفرنسا والمنطقة حيث يحاول أوردوغان استغلال ضعف السعودية الاقتصادي نتيجة سوق النفط وموسم الحج خلال كورونا الذي ادّى الى أزمة مالية في السعودية، ويحاول أوردوغان الامتداد للسيطرة على الساحة الإقليمية السنّية ممّا استدعى تدخّل مصر على خط المفاوضات على رئيس حكومة لبناني يرضي الشارع السنّي اللبناني، وخصوصاً الطرابلسي المائل إلى أوردوغان دون اعطاء تركيا فرصة لتوسيع نفوذها وهي التي تحاول فرض سيطرتها على المنطقة التي تعتبر نفسها الأحق فيها.

تواصل وزير الخرجية المصري سامح شكري مع الرئيس الحريري والرئيس فؤاد السنيورة، وسأل الحريري توسّط مصر لدى السعودية الحاقدة عليه، لاعتباره ضعيف وغير قادر على الوقوف في وجه حزب الله، طالباً أن تدعم السعودية خيار الرؤساء السابقين للحكومة.

نقل وزير الخارجية المصري الرسالة الى السعوديين الذين أكّدوا لشكري انّهم متوافقين مع الأميريكيين على تسمية نواف سلام وقد أوصوا حلفائهم في بيروت بتسميته، وشدّدوا ان أي حكومة داعمة لحزب الله وشركائه لن تحظى بالدعم السياسي والمالي، كما أكّد وزير خارجية مصر على ضرورة أن لا يكون في الحكومة المقبلة أصدقاء لتركيا في ظل توسّع الدور التركي في لبنان.

تزامناً مع زيارة ماكرون الثانية إلى بيروت يوم الاثنين تأتي زيارة مساعد وزير الخارجية الأميريكية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر خلال الاسبوع نفسه، وحسب المصادر الديبلوماسية الخلاف واضح بين الإدارة الاميريكية ومبادرة ماكرون الذي اعتزم تسديد ضربة لأوردوغان آخذاً في الاعتبار مصلحة فرنسا في شرقي المتوسّط والمراهنة على شركة توتال التي ستعود لفرنسا ب٣٠ بالمئة من ايرادات الغاز الطبيعي في المتوسّط في حين تعتبر واشنطن أن الموافقة على غير نواف سلام يعني الاستسلام لحزب الله واضعة مصلحة اسرائيل وعملية السلام وصفقة القرن على رأس قائمة مشروعها في المنطقة.

يترقّب المحلّلون أحداث الأيام المقبلة ولقاء الوفد الأميريكي مع القيادات السياسية الداعمة للحراك الشعبي والبيئة الحاضنة لثورة تشرين والشارع المعارض، وقد تشهد الساحة اللبنانية نوع من التحرّك الشعبي معارضاً للمبادرة الفرنسية وضغطاً على مصطفى أديب، ويبقى الرهان على الانتخابات الأميريكية وإذا ما سيتمّ تأجيل تشكيل الحكومة اللبنانية إلى ما بعد تشرين الثاني والعمل مع إدارة أميريكية جديدة.

Join Whatsapp