وصفت مصادر فرنسية رفيعة المستوى اللقاء الذي جمع الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بأنه فرصة لمناقشة أهداف وآفاق التعاون الثنائي بين الرياض وباريس في المجالات المتنوعة مثل الأمن والدفاع، فضلاً عن طموحات السعودية في ما يسمى «النقلة الطاقوية» وإنتاج الطاقة النظيفة الشمسية والهيدروجين والتقنيات الجديدة، أخذاً بعين الاعتبار طموحات ولي العهد لبلاده في هذه المجالات.

وبالتوازي، اعتبرت المصادر أن مقاربات باريس خلال الاجتماع تمثلت في فرصة لبحث الملفات الإقليمية والعمل المشترك للبلدين من ناحية الاستقرار في المنطقة، كالوضع في السودان، وسوريا والعراق ولبنان، إلى جانب آفاق التقارب بين الرياض وطهران وانعكاساته المحتملة على الملفات المتنوعة، ومنها الملف النووي.

رسالة باريس، كما قالت مصادرها، هي أن التطور الأخير «يمكن أن يفيد الأمن والاستقرار الإقليميين، ونحن ندعو الطرفين للاستفادة من هذه الفرصة». وأفادت المصادر الرئاسية بأن الجانب الفرنسي «يود أن يتعرف على قراءة الأمير محمد بن سلمان لكيفية انعكاس التقارب والتطبيع بين الرياض وطهران على هذه الملفات». وتضع باريس لقاء القمة في إطار «الرغبة المشتركة في مواصلة الحوار وتعميق الشراكة على الصعيد الثنائي بالطبع، ولكن أيضاً إزاء الملفات الإقليمية والدولية، وعلى رأسها ملف الحرب الأوكرانية».

وبالنظر لمساعيه لإنجاح القمة المرتقبة الأسبوع المقبل بشأن «الميثاق المالي الجديد»، فإن الجانب الفرنسي يراهن على دور سعودي مهم ونشط لإنجاح القمة التي ستنعقد في باريس يومي 22 و23  يونيو (حزيران)، حيث يترأس ولي العهد السعودي وفد بلاده. كما يُنتظر حضور زعماء ورؤساء ومنظمات دولية وإقليمية، أبرزهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

وحددت باريس عدة أهداف للقمة المذكورة، أبرزها اثنان: الأول، مساعدة دول الجنوب على محاربة الفقر وخفض مديونيتها. والثاني، الدفع باتجاه ما تسميه باريس «النقلة الخضراء»؛ أي النقلة البيئوية وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والاقتصاد النظيف.

الملف اللبناني

ملء الفراغ هو الشغل الشاغل لباريس في الملف اللبناني. وتؤكد المصادر الرئاسية الفرنسية على أن لا باريس من جهة، ولا الرياض من جهة ثانية، «راغبتان في القيام بأمور هي من مسؤولية اللبنانيين بالدرجة الأولى»؛ أي انتخاب رئيس للجمهورية والسير بالإصلاحات التي تطالب الأسرة الدولية والمؤسسات المالية الحكومة اللبنانية بإقرارها.

وترى باريس، وفق المصادر الرئاسية، أن حواراً بين الطرفين السعودي والإيراني «يمكن أن يوفر المناخ المناسب لتسهيل انتخاب الرئيس العتيد». وتتمنى فرنسا أن «تنخرط السعودية وإيران في محادثات من أجل توفير الظروف المناسبة التي تسهل العملية الانتخابية وإيصال رئيس جديد ووضع حد للانهيار الشامل في لبنان». في المقابل، نفت هذه المصادر أن تكون باريس أو الرياض بصدد التخطيط لعقد مؤتمر دولي حول لبنان. وأشارت إلى أن لفرنسا والسعودية «رغبة مشتركة، وهي تعزيز الأمن والاستقرار في لبنان».

إيران وسوريا 

أما بالنسبة للملف السوري، فإن موقف باريس لم يتغير بشأن تطبيع العلاقات مع نظام الرئيس الأسد. والموقف الفرنسي المعروف لا يعارض بالمطلق التطبيع مع دمشق، إلا أنه «يصر على ألا يكون مجانياً»؛ بمعنى من غير مقابل من جانب الرئيس السوري.

وقالت مصادر الإليزيه إن الرئيس ماكرون يود أن «يتعرف من ولي العهد على الطريقة التي سيعتمدها الرئيس السوري من أجل تنفيذ بعض الشروط الدولية» المندرجة في القرار (2254)، إلا أن باريس تتفهم أن للسعودية اهتماماتها وأولوياتها. كما يرغب ماكرون أيضاً بالتعرف على قراءة الأمير محمد بن سلمان لما يتوقعه من التطبيع مع إيران، بما في ذلك على صعيد برنامجها النووي. وقالت هذه المصادر: «نريد أن نتعرف إلى تقييم ولي العهد للتهديدات الإيرانية، وحول كيفية تعامله مع الإيرانيين».

الأزمة الأوكرانية

يبقى الملف الأوكراني؛ إذ تعتبر باريس أن للسعودية القدرة في التأثير على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإفهامه أن لا انتصار يمكن أن يحققه في هذه الحرب، وأن الأفضل العودة إلى طاولة المفاوضات وسحب قواته من الأراضي الأوكرانية. وقالت أوساط الرئاسة إن ماكرون سيطلب من ولي العهد المساعدة على إنهاء الحرب في أوكرانيا.

ومنذ أشهر طويلة تسعى باريس لدفع دول بقيت ملتزمة بالحياد إلى التخلي عن هذه الوضعية بتذكيرها أن الحرب في أوكرانيا لا تعني فقط أوروبا أو الغربيين، بل العالم أجمع. ومن جملة ما أشارت إليه المصادر الفرنسية هو دور السعودية «في تخفيف آثار الحرب على البلدان الهشة» اقتصادياً واجتماعياً.

Join Whatsapp