قائد “فاغنر” يفغيني بريغوجين

لاحت لبريغوجين فرصة جديدة، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في مارس/آذار 2014 وما تلا ذلك من تدخل عسكري في شرقي أوكرانيا، إذ كان بوتين ينفي مرارًا مشاركة القوات الروسية النظامية في كلتا المنطقتين، ومن هنا جاءت فكرة تأسيس المجموعات المسلحة الخاصة التي التقطها بريغوجين وأسس “فاغنر”.

وبدأت وزارة الدفاع الروسية التعاون والتنسيق معه، ومنحته قطعة أرض في مدينة “مولكينو” في جنوبي روسيا، حيث أنشأ قاعدة لتدريب وتجهيز المقاتلين، تحت غطاء مخيم للأطفال.

برز اسم بريغوجين، 61 عاما، في وسائل الإعلام الغربية خاصة في 2016 بعد أن فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية، لدور إحدى شركاته “وكالة الأبحاث على الإنترنت” في التأثير بالانتخابات الأمريكية التي أدت إلى وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

كما فرض الاتحاد الأوروبي عليه عقوبات لدوره في مجموعة فاغنر العسكرية بأوكرانيا. ويعتبر اليوم إحدى الشخصيات الأكثر إثارة للجدل في نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وصار على لسان وسائل الإعلام داخل روسيا وخارجها، ولا سيما أنه انطلق من لا شيء ليتحول لأحد كبار الأغنياء في بلاده، بل وكسب مكانة خاصة في مربع القرار حتى أنه يصنف ضمن الشخصيات التي تشكل الدائرة الضيقة جدا للرئيس الروسي.

وإذا كان اسم بريغوجين قد ارتبط في الخارج بأنه رجل الدعاية الرقمية السامة لموسكو، فقد تميز في روسيا أيضا بدهائه في تشويه سمعة الحركات المعارضة. فبحسب تصريح ليوبوف سوبول، الناشط في مؤسسة أليكسي نافالني لمكافحة الفساد لصحيفة نيويورك تايمز: “إنه لا يخشى أن تتسخ يداه ليصل إلى هدفه”.

 يتحدر بريغوجين من مدينة سان بطرسبورغ الروسية، التي عرف بها في مرحلة من سنوات شبابه كمنحرف، حكم عليه خلالها بالسجن 12 عاما، قضى منها عشر سنوات بتهم تتعلق بالسرقة والانتماء إلى عصابة. ومع انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991، وظهور نظام جديد في روسيا، حاول استغلال الفرص المتاحة للعمل في التجارة. 

ارتبطت مسيرته التجارية بتسويق الطعام والمواد الغذائية، فبدأها ببيع سندويشات النقانق قبل أن يخلق سلسلة متاجر للبقالة، ثم انتقل بعد ذلك إلى إحداث مطاعم، أشهرها موجود على المياه في مدينته الأصلية سان بطرسبورغ، حيث سبق أن استضاف الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى جانب نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الذي فتح له بوابة الكرملين، ليصبح “طباخه” عبر شركته.

خلال الأعوام الأخيرة من الاتحاد السوفياتي، قضى بريغوجين فترة في السجن – 10 سنوات باعترافه الشخصي – على رغم أنه لم يذكر سبب ذلك.

بعد ذلك، امتلك كشكاً لبيع النقانق ثم مطاعم فاخرة جذبت اهتمام بوتين. في ولايته الأولى، اصطحب الزعيم الروسي الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك لتناول العشاء في أحدها.

يتذكر بريغوجين في مقابلة نشرت عام 2011 “رأى فلاديمير بوتين كيف بنيت مشروعاً تجارياً من كشك، ورأى أنني لا أمانع في خدمة الضيوف الكرام لأنهم كانوا ضيوفي”.

توسعت أعماله بشكل كبير لتشمل تقديم وجبات الغداء المدرسية. عام 2010، ساعد بوتين بريغوجين في افتتاح مصنع بني بمساعدة قروض سخية من قبل بنك حكومي. في موسكو وحدها، فازت شركته “كونكورد” بعقود بملايين الدولارات لتقديم وجبات الطعام في المدارس العامة. كما قام بتحضير وجبات طعام لمناسبات في الكرملين لسنوات عدة – مما أكسبه لقب “طاهي بوتين” – وقدم التموين الغذائي وخدمات المرافق للجيش الروسي.

يمتلك بريغوجين أيضاً مجموعة “فاغنر”، وهي قوة مرتزقة متحالفة مع الكرملين أصبحت تلعب دوراً مركزياً في رؤية بوتين للنفوذ الروسي في مناطق الاضطرابات حول العالم.

وتقول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ودول أخرى إن قوات المرتزقة تورطت في صراعات في دول عبر أفريقيا على وجه الخصوص. يزعم أن مقاتلي “فاغنر” يوفرون الأمن لقادة دول أو أمراء الحرب مقابل مبالغ سخية، غالباً ما تشمل حصة من الذهب أو الموارد الطبيعية الأخرى. ويقول مسؤولون أميركيون إن روسيا ربما تستخدم أيضاً عمل “فاغنر” في أفريقيا لدعم حربها في أوكرانيا.

في أوكرانيا، أصبح مرتزقة بريغوجين قوة رئيسة في الحرب، يقاتلون كنظراء للجيش الروسي في المعارك مع القوات الأوكرانية.

ويشمل ذلك مقاتلي “فاغنر” الذين سيطروا على مدينة باخموت التي شهدت أكثر المعارك دموية وأطولها. بحلول الشهر الماضي، بدا أن مجموعة “فاغنر” والقوات الروسية سيطرتا إلى حد كبير على باخموت، وهو نصر له أهمية إستراتيجية طفيفة بالنسبة إلى روسيا على رغم الخسائر في الأرواح. تقدر الولايات المتحدة بأن ما يقرب من نصف القوات الروسية التي قُتلت في أوكرانيا منذ ديسمبر (كانون الأول)، وعددها 20 ألف جندي، كانت من مقاتلي “فاغنر” في باخموت. وكان من بين جنوده المأجورين عدد من السجناء المجندين من السجون الروسية.

Join Whatsapp